وصدور القرار 1559 ومن ثم ال 1595 وانتهاء لا نهاية بالجائر ال ,1636 ومنذ تحريك الكونغرس الأمريكي لقوانين محاسبة ومعاقبة سورية وما سمي (تحرير لبنان), وتفرغ إدارة بوش وأحصنتها الجديدة وأبواقها السياسية والإعلامية لهذا البلد, واستهدافه على نحو حاقد ولعدة ملفات تمت إثارتها وتفجيرها دفعة واحدة, بقصد الإغراق والابتزاز والتغطية تتخذ من العراق وفلسطين والساحة اللبنانية والموقف من المقاومة وسلاحها عناوين لها, وبإدماء وإشعال للحرائق يترجم فشل مشاريع الاجتياح والتدجين والاحتواء.. منذ ذلك الوقت ونحن نشدد ونقول: ابحثوا عن الدور الإسرائيلي في ما يحدث ووراء كل ما يجري, رغم إقرار سلفان شالوم وغيره من الطاقم الصهيوني المؤتلف في حكومة شارون علانية, واعترافهم على الملأ ومن قبيل التباهي بالنجاح في استصدار هذه القرارات, وزج واشنطن مع بعض الغرب المتساوق في خوض معارك إسرائيل بالوكالة.
وما دفع الإسرائيليين مؤخراً للخروج عن الصمت المطلوب منهم على سبيل النصح من جانب الإدارة الأمريكية, والمستوجب لضرورة البقاء بعيداً وترك واشنطن تتولى مهمة المجابهة والتصدي لأعداء إسرائيل التقليديين, والتسويق للمشروع المشترك بإعادة صياغة المنطقة ورسم خارطة جديدة لها لئلا تنفضح الأمور وتقلب الطاولة, وما حرضهم لإظهار اغتباطهم بسير الأحداث والإفصاح عن مواقف وسياسات, بعضها مغالٍ في التطرف والعداء لسورية وللسلام والآخر مسرف في التأييد للحكومة اللبنانية الحالية, تمنى تجار الدم والشعارات وأبطال (الحرية والاستقلال) والتدويل لو بقيت طي الكتمان, بدل أن تكشف المستور وتسقط في أيديهم وفي أيدي القوى التي تحركهم وتدير أزمة إقصاء سورية والاقتصاص منها, هو وجود رئيسة الدبلوماسية الأمريكية كوندا ليزا رايس بين ظهرانيهم وفي أحضانهم, والرغبة في محاكاتها ومجاراتها والتماهي معها في جولتها التي اقتصرت على تسعير الهجوم ضد سورية, ولم تنجح في شيء آخر يغطي عورة السياسة الأمريكية ولو كان كذبة (معابر غزة), وبالتالي عدم ترك إدارتها تستأثر وحدها بشرف تحقيق اختراق وضع لبنان تحت مظلة التدويل, وبرسم العناية الأمريكية المشددة وتحويله إلى خنجر في الخاصرة السورية, وقاعدة انطلاق وعبور نحو باقي المنطقة, يعوض بعض الخسارات وجوانب التعثر في بعض المواقع الأخرى والساحات.
لقد عرت تصريحات الإرهابي آرييل شارون الأخيرة في المؤتمر الصحفي مع رايس, سواء ما خص بها لبنان أم سورية حقيقة المؤامرة الكبرى المرسومة لهذه المنطقة, وواقع التوظيف القذر للأحداث ولجريمة اغتيال الحريري, تلك التي تذهب كل المؤشرات والدلائل رغم التحقيقات الجارية تحت مطرقة التسييس وشهادات الزور (الفضيحة), في اتجاه التجريم المشترك والقاطع لأمريكا وإسرائيل, وعدم تبرئتهما من دم الحريري, واعتبارهما معاً أصحاب المصلحة الحقيقية في تغييب هذا الرجل وفي تغييب الحقيقة معه, إن لم تأتِ النتائج كما يشتهون وإن لم يستطيعوا التجيير, وقذف الكرة في ملعب الآخرين انتقاماً وتصفية لحسابات قديمة وبثاً وتعميماً لفوضاهم.
ومع ذلك يصر البعض بسوء لا حسن نية على التعامي وغض النظر والقفز فوق واقع: أن الأجندة الأمريكية - الصهيونية, باهتمامها المفاجئ بلبنان وغيرتها الكاذبة عليه وانتقالها إلى موقع الهجوم المباشر على المنطقة, واستهدافها المركز لخندق الصمود والممانعة السوري, من بوابات مختلفة وبذرائع تستحضر أساليب الخداع والتضليل والفبركة للتهم إياها, التي سيقت لتبرير الغزو والاجتياح المدان للأراضي العراقية, لا تضع المنطقة بحضارتها وتاريخها ووجودها في دائرة الخطر والنيران والحسابات الخاطئة, والزعم بأنها إنما تُعنى بلبنان ومساعدته ووضعه على درب (الديمقراطية), التي نجهد والشرفاء من أبنائه وجماهير الأمة على تجنيبه أكلها وشرورها, سواء بصيغها العراقية والأفغانية أم بنموذج (17 أيار) جديد.
لهؤلاء نقول إننا وإن كنا لا نتعشم منهم خيراً ولا نعتقد أن الذئب الذي يستقوون به اليوم, ويحاولون عبثاً تبرئة ساحته بقادر على الانسلاخ من جلده, وأن يكون ظهيراً ونصيراً لهم وللبنان الحر السيد المستقل, القوي بوحدته وعروبته وتلاحمه الأخوي مع سورية, إلا أننا على ثقة بأن شعبنا في لبنان وسائر الوطن الكبير لن يسمح لهم ولا لمؤامرة التدويل واستهداف سورية والعروبة بالمرور, وهو يجيد حين تفرض عليه المعركة الدفاع عن النفس, باعتباره الخيار الأقل كلفة بكثير من ثمن الفوضى والاستسلام والطريق المفضي وحده إلى الانتصار.