| لجنة تلو اللجنة.. معاً على الطريق ودائماً تكون الحقيقة واضحة أمام أعين أعضائها إلا أنهم يعمدون إلى إضاعة الوقت, وإن لم يكن ذلك غرضهم, فإنهم يسعون إلى خلق مشكلة ويتنادون من ثم للبحث عن حقيقة من كان وراء خلقها. والحقيقة, إذا كانت تنطبق عليها مقولة أن المرء لا يستطيع أن يختبئ وراء أصابع يديه ليدعي أنه لا يرى الشمس وهي ساطعة فوق رأسه, فإنها تفضح نفسها بنفسها, لأن ليس في التاريخ ما يسمى بالجريمة الكاملة, إلا إذا سعت الجهة أو الجهات المعنية لإبقائها طي الكتمان إلى الوقت المناسب للكشف عن مرتكبيها والمخططين لها. وفي هذا السياق فإن اللجان التي أنيط بها مهمة اكتشاف الحقائق في منطقتنا العربية, منذ لجنة كينغ - كراين, في سنة 1919 وصولاً إلى لجنة ديتليف ميليس في سنة 2005 قلما كانت صادقة فيما نقلته إلى مراجعها لاعتبارات محددة مسبقاً, ثم إنها وإن صدقت فيما تنقله, فإن المرجع المعني بنتائج مهمتها, قلما كان أميناً على تطبيق ما انتهت إليه, أيضاً لاعتبارات محددة مسبقاً. في سنة ,1919 زارتنا كما هو معروف لجنة كينغ - كراين, وبتاريخ الثامن والعشرين من شهر آب من العام المذكور, وضعت تقريرها ورفعته في اليوم نفسه إلى مؤتمر الصلح الذي كان منعقداً في العاصمة الفرنسية باريس. وفي الوقت ذاته رفعت نسخة من تقريرها إلى الرئيس الأميركي في تلك الحقبة الرئيس وودرو ويلسون. وكانت مهمة هذه اللجنة, التي تشكلت بموجب قرار الحلفاء خلال فترة انعقاد مؤتمر الصلح في أوائل العام, دراسة أوضاع وتطلعات أبناء البلاد العربية التي كانت خاضعة للحكم العثماني. ومما ورد في تقرير اللجنة, أن مطالب العرب تركزت حول أمرين, الأول توحيد سورية ولبنان وفلسطين, والثاني رفض الانتداب على أي بلد عربي مهما كانت غايته ومهما كان شكله. وتمضي الأيام, وينقلب الحلفاء على أنفسهم, وتندثر جهود لجنة كينغ - كرين هباء في سماء الوعود الكاذبة, ويتم فرض الانتداب الفرنسي والبريطاني على سورية ولبنان, كذلك على فلسطين والعراق. وتدخل هذه الحادثة حول (حقيقة) ما توصل إليه أعضاء اللجنة المذكورة في مزبلة التاريخ, وبذلك تنتصر إرادة التآمر على بلدان المنطقة, رغم وقوفها إلى جانب الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918). ولا تتوقف زيارات اللجان إلى المنطقة العربية, ففي ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي, كانت اللجان تزور بلدان المنطقة لمعرفة الحقائق الدائرة في الساحات العربية, تارة في سورية وتارة في فلسطين وتارة في لبنان أو العراق, ودائماً كانت تأتي محملة بنيات سرعان ما تظهر على حقيقتها, فإذا بغرض الزيارات أولاً وأخيراً اكتشاف نقاط الضعف في هذه الساحة أو تلك, لتحديد نقاط التسلل إليها تحت شعارات براقة أبرزها شعار معرفة مطالب السكان والكشف عن الحقيقة حول مسألة ما طارئة في هذا المكان أو ذاك. وفي يومنا هذا, ونحن نترقب ما سينتهي إليه فريق التحقيق برئاسة ميليس, إذا قرأنا جيداً وبإمعان ما جرى بالأمس القريب أو البعيد نسبياً, نستطيع القول ان ما كان يردد أحياناً عن التاريخ الذي يكرر نفسه, ليس قولاً بعيداً عن الحقيقة. والحقيقة هنا غير الحقيقة التي تلتمسها المراجع التي شكلت فريق لجنة ميليس بحثاً عن حقيقة من قتل الحريري, بطبيعة الحال.
|
|