ان الشهر هذا سيتوج مع ليلة القدر بسقوط النظام السوري واحلال نظام المخابرات الاميركية مكانه، تماماً كما كانت حددت في السابق شهر حزيران ثم آب ثم كانون الاول 2011 ثم آذار 2012 مواعيد مرتقبة لاسقاط سورية الكيان المستقل واقامة سورية الواهنة التابعة للغرب . وعليه يكون انصرام الشهر الماضي، اضافة جديدة للائحة المواعيد الفائتة والمكرسة للفشل ولسوء التقدير والخلل في النظرة الغربية الى سورية .
و مع هذه النتيجة يطرح السؤال عن مسار المؤامرة بعد انكسار الموعد الخامس الذي ظن انه الاخير المؤكد لنجاحها، وهنا قد يسارع البعض للقول بان ما حصل في السابق سيحصل الان بعد هذا الفشل اي ان القيادة العدوانية ستسارع لاجتراح خطة انقاذية بديلة تعوض فيها فشلها وتضمن نجاحها في النتيجة. ونحن نرى ان مثل هذا القول هو منطقي وعقلاني وفقاً لقواعد ومبادئ السلوك العامة التي تقضي بان من يملك القوة لا يتوقف عن استعمالها ان فشل يوماً في محاولته لانجاز شيء ما، بل انه يحاول تغيير الخطة والاستراتيجية والمحاولة الثانية والثالثة وتباعا حتى يحقق المراد وهو يستمر في المحاولة طالما انه يملك القوة، وهنا يكون السؤال الآخر هل ان اميركا ستعود الى لميدان في خطة سادسة لانقاذ نفسها من الهزيمة الاستراتيجية ؟
كان من الممكن ان يكون القول البديهي ان اميركا لن تستسلم وانها بالفعل ستحاولة مرة اخرى، ولكن نظرة في تاريخ المؤامرة ومراحل العدوان ونتائجه، وفي الوةاقع الدولي وما يمكن ان يسمح به، يقودنا الى خلاف ما قد يتراءى في الحل البديهي وهنا نذكر ان اميركا والمجموعة العدوانية راهنت ونفذت من وجوه العدوان كل الاصناف وعلى المستويات كما يلي:
1) في المستوى السياسي: قامت بكل ما تستطيع من سحب سفراء وتعليق عضوية سورية في الهيئات والمنظمات التي تنصاع للارادة الاميركية خاصة جامعة من كان تسمى «عربية» وباتت عبرية ومنظمة كانت للتعاون الاسلامي فانقلبت الى منبر للتفرقة بين المسلمين . ولم يتبق باليد الاميركية على هذا الصعيد ما يمكن ان يضاف .
2) في المستوى الاقتصادي : نفذت مجموعة العدوان كل ما يمكنها من عقوبات وتضييق على الشعب السوري ولكن هذا الشعب استوعب الامر وتكيف مع الوضع واختط لنفسه طريقا لا تلغي العقوبات بل تعطل اهدافها. فكانت معاناة لا شك فيها ولكن لم يكن استجابة لاهداف المعتدي واعتاد الناس على حياة مع العقوبات وخسر المعتدي الورقة هذه .
3) في المستوى الاعلامي والحرب النفسية، لم يوفر العدوان وسيلة كذب الا واستعملها ولا طريق تزوير وخداع الا وسلكها وبالتالي لم يبق بيده من ادوات او طرق اكثر مما سبق استعماله، لكن الجسم السوري الذي هزم بحاله السابقة كل ما وجه ضده سيكون بعد اكتسابه المناعة الاضافية اكثر قدرة على المواجهة وافشال المعتدي.
4)المستوى العسكري وهنا نميز بين :
-التقليدي الذي اقفل بابه عبر مجلس الامن بالفيتو الروسي الصيني، وسدت مساربه خارج مجلس الامن بالظروف العملانية والاستراتيجية القائمة حول سورية اقليميا ودوليا وكلها تقود الى القول القاطع ان لا حرب بجيش اجنبي مهما كانت طريقه يمكن ان تشن على سورية .
- وغير تقليدي وهو الارهاب المنظم والذي تنفذه جماعات التكفير والارهاب العالمي بقيادة اميركية صهونية وتستعمل فيه سوريين مضللين او مشوهي الفكر والعقيدة، وغير سوريين مرتزقة او مخدوعين ذهبوا ضحية تضليل ونفاق . وقد ظهر الان وبعد ان استعمل هذا النمط من العدوان قنبلته الاثقل وعلى الهدف الاهم وبالطريقة الاخطر ، تبين انه خسر الرهان وبات يقيناً عند كل عاقل القول بان سورية اصبحت في منعة ومستعصية على هذا النمط من العدوان وخاصة انها ارتقت في المواجهة وتحصين الانجازات الى خطط عملانية جديدة تحفظ النتائج الايجابية المتحققة وتعالج المتبقي باقل تكلفة ممكنة .
و بعد كل ما تقدم يبدو ان مجموعة العدوان يئست من الميدان وضاقت بها السبل السياسية والاقتصادية ولم تجد في كل ما هو متاح لها الا ان تسترسل في حرب النفاق والتزوير والتلفيق، استرسال تتوخى منه حجب اخفاقاتها العدوانية في الميدان، والتعكير على صفو واهمية الانجازات السورية في مواجهة العدوان، وهي انجازات تقود العقلاء الى الطمأنينة بدون شك، لذلك تجهد منظومة العدوان بوسائلها الاعلامية الواسعة الانتشار، وبدلوماسيتها ذات الحركة التي لا تتوقف، تجهد في اختلاق خبر انشقاق مسؤول سوري او تمرد شخصية عامة او هرب من هو صاحب موقع وتأثير، تلفيق يستلزم لملاحقته ان يخصص معظم جهد الاعلام السوري لتكذيبه، وقد يكون هذا الاشغال ايضا جزءا من اهداف التلفيق ذاك، ونحن نرى ان تعامل الاعلام السوري او السلوك السوري بشكل عام مع حملة الكذب هذه، هو تعامل موفق لجهة اعتماده سياسة التجاهل حينا او الاستخفاف حينا آخر او الرد بالخبر والصورة العملية لنشاط المقصود دونما ان يكون هناك رد مباشر او ظهور حصري من اجل الخبر الملفق ذاته، وقد كانت صورة الرئيس الأسد يصلي مطمئناً صلاة عيد الفطر البارحة، من الوقع والتأثير النفسي المعاكس فوق ما فعلته اجهزة الاعلام ومراكز دراسات العدوان باضعاف مضاعفة .
و ليست الحملة الاعلامية التزويرية هي وحدها من تداعيات هزيمة العدوان على سورية لاخفاء النتائج التي لا يمكن لعاقل ان يقفز فوق اثنين منها:
1)ان سورية باتت بشكل نهائي مستعصية على اي احد يريد نقلها من موقعها الاستراتيجي القائم .
2)ان المؤامرة باتت مفضوحة في الاهداف مكشوفة في الوسائل وبالتالي ليس هناك امكان رغم ما يملك المعتدي من قدرات ليس بامكانه ان يجترح خططاً تمكنه من النجاح مستقبلاً.
بل ان الاخطر من تلك التداعيات كما نرى هو ان المعتدي بات يبحث عن ميدان آخر يحدث فيه دخاناً يحجب هزيمته، وهنا وفي ظل واقع الدول المحيطة بسورية وقدرات كل منها يبدو انه استبعد تركيا التي فهمت ما يحدق بها من مخاطر وباتت تتحسب لاي فعل اوسلوك يفاقم تلك المخاطر ما الزمها بالانكفاء التدريجي عن المسرح السوري لتنقلب لمعالجة ما استجد فيها، وانه استبعد الاردن مؤقتا الذي ما زال بالضمانة الانكليزية حتى حين، ولا يعول كثيراً على العراق والذي لم يشف بعد من الارهاب الذي ضخته واستجلبته اميركا اليه، لذلك يبقى لبنان هو المكان الذي يبدو انه بات الارجح ليتحول الى موقد يحضر لاضرام تلك النار التي تحدث دخاناً حاجبة، خاصة بعد تلك المواقف الانقلابية التي اتخذها المسؤولون اللبنانيون مؤخراً ضد سورية، وبعد ما جرى في الساحة الللبنانية من تطورات جعلت الكل يسأل متى سيحصل الانفجار.
عندما هزمت اميركا في العراق اشعلت في المنطقة ناراً لتحجب هزيمتها.... فكانت سورية المكان المفضل لاضرام تلك النار الانتقامية والحاجبة، والان تهزم اميركا في سورية فهل ستتخذ من لبنان ميداناً لنار حجب الهزيمة ؟ السؤال يوجه بشكل عام لكل معني بأمر لبنان وللبنانيين ولمسؤوليهم بشكل خاص؟.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي