قبل أيام تحدث الرئيس التركي عبد الله غل لصحيفة تنطق بالعربية عن انقطاع خيط التواصل الأخير مع القيادة السورية مردفاً القول: «إن الشعب السوري هو صاحب القرار بشأن مستقبل الاصلاح في سورية» وهذا التصريح بما يحمل من تناقضات في طريقة الطرح تكشف قراءة مضمونه بسطحية حقيقة إصرار المسؤولين الأتراك على إنكار حقائق مسؤوليتهم الكاملة عن انقطاع هذه الخيوط بين الدولتين من الناحية الرسمية فقط، وليس بين الشعبين حيث لا يكاد يمر أسبوع حتى يزور وفد تركي سورية والعكس صحيح.
والسؤال المهم الذي يجب أن يوجه إلى الرئيس غل وغيره من المسؤولين الأتراك.. هو ما دمتم مقتنعين أن الشعب السوري هو صاحب القرار بشأن مستقبل بلاده الإصلاحي فلماذا تدخلتم في الشؤون الداخلية السورية على هذا النحو الذي أدى إلى انقطاع الخيوط التي تتحدثون عنها؟
وألم يكن من الأجدى ترك الشعب السوري يحدد مستقبله بنفسه بدلاً من محاولة حرفه عن ذلك خدمة لمشاريع غربية وأميركية ارتضت الحكومة التركية أن تكون رأس الحربة فيها ضد سورية الدولة والشعب التي فتحت ذراعيها لتركيا والشعب التركي؟
وإذا كانت الحكومة التركية تورد تصريحاتها في باب النصائح.. فماذا يمكن القول عن سماحها بنصب خيم لمن سمتهم لاجئين سوريين محتملين فيما الواقع والمعلومات الواردة من تركيا تشير إلى أن معظم المقيمين في هذه المخيمات هم الارهابيون والفارون وعائلاتهم.
وكذلك الأمر ماذا يمكن تسمية استضافة ودعم الحكومة التركية لعدد من الفارين والارهابيين الذين يعلنون من الأراضي التركية استهداف قوات حفظ النظام والجيش في سورية.
بالتأكيد إن سورية لا تقع عليها أي مسؤولية في انقطاع خيوط التواصل مع تركيا والدليل الحي والناصع على ذلك هو استمرار الحكومة والقيادة السورية خلال الأشهر السبعة الأولى من الأزمة بالتواصل مع الحكومة والقيادة التركية انطلاقاً من العلاقة الاستراتيجية التي كانت بين البلدين، وذلك رغم استضافة تركيا لقوى أدرجت نفسها تحت مسمى «معارضة سورية» لديها مشاكل مع الشعب السوري من نواح مختلفة إضافة إلى مشاكلها مع الدولة السورية والقانون السوري.
ونذكر في هذا السياق أيضاً تصريحات العديد من المسؤولين السوريين التي تضمنت دعوات للحكومة التركية أن تكون تصريحاتها وتدخلاتها كدولة مجاورة لحل الوضع في سورية تصب في خدمة الاستقرار ومصالح الشعب السوري, وليس في قنوات تنتهي في خدمة مشاريع خارجية تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وفي أجندات قوى سياسية تدعو للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية السورية.
ولا يغيب عن الذهن الفارق الكبير بين تعامل الحكومة التركية مع تصريح للسفير السوري السابق في أنقرة الذي عبر عن رأيه وأجرى مقارنة بين وضعين مشابهين في البلدين وبين تعامل الحكومة والقيادة السورية مع تصريحات نارية ضد سورية شكلت تدخلاً مرفوضاً في الشؤون الداخلية.
وأخيراً وليس آخراً لم تكن سورية البادئة باتخاذ إجراءات اقتصادية وتجارية ومالية حتى تتهم بقطع خيوط التواصل التي يتحدث عنها المسؤولون الأتراك.
إن سورية التي تقوم حضارتها وثقافتها على تعزيز خيوط التواصل والحوار والتعاون بين الشعوب والدول لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تقوم بعكس ذلك، وكل ما تم ذكره يبرز حرصها على علاقتها مع تركية الدولة والشعب، ولن تشكل تصريحات المسؤولين الأتراك وتحميلهم لها مسؤولية قطع آخر خيوط التواصل بين البلدين أي غمامة على أنظار الشعبين في البلدين اللذين أصبحا على علم بكامل الحقيقة أو النصف الآخر منها التي يصر المسؤولون الأتراك على إنكارها والتهرب من تحمل عبء مسؤوليتها أمام الشعب التركي المتضرر الأول من ذلك.