بعد جواز ذلك التدخل في المنظمات الدولية والإقليمية في خطة تمت صياغتها في دوائر الاستعمار المغلقة، تماماً بالطريقة ذاتها التي بدأت قبيل الفترة الاستعمارية وعمليات الاستشكاف الجغرافية الكبرى.
لست ضد رحيل القذافي، ولم أكن يوماً أقف بوجه هذا الرحيل، بل على العكس ربما قلت إنه كان سبباً في ضياع ثروة الشعب العربي في ليبيا وتبديدها على مشاريع لم يحصد منها إلا الضياع.
ولم يجن الليبيون منها غير المآسي والقهر والحرمان، إذ كان يمكن لبلد بحجم سكان ليبيا أن ينتقلوا إلى مستوى حياة متقدم جداً اعتماداً على ثروة ضخمة تفيض عن حاجة المواطنين الليبيين وتحقق لهم تنمية متقدمة وتوفر لمستقبل أبنائهم الكثير، في وقت تتناقص فيه الثروات مقابل زيادة سكانية متزايدة ولكن ذلك لم يحدث قط.
وأراني وأنا أتابع أخبار موت القذافي وعرض جثته مسجاة في سيارة الإسعاف ونقلها إلى مصراته أسترجع أكثر من صورة سقوط مماثلة وأقارن ما بين تلك الصور علّي أجد الرابط الخفي بين كل ما يحدث وما يتم التخطيط له في أكثر من موقع في بلداننا العربية، والمصير المراد لأكثر من زعيم عربي بدءاً من عملية إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد في التاسع من نيسان 2003 حيث أطلق الغرب إشارة الإسقاط في خطوة تمثيلية استخدم الإعلام فيها سلاحاً ماضياً يفوق أعتى الأسلحة مضاء في التاريخ الإنساني.
زعماء عرب ارتكبوا الكثير من الأخطاء التي وصلت حد الجريمة في أكثر من عاصمة وفي أكثر من مرة، لكن الحساب والعقاب لم يكونا حاضرين في التوقيت المفترض، فالحساب يأتي منسجماً مع الأجندة الغربية التي رسمت الخط البياني للتعامل مع الأنظمة العربية، والحكومات العربية وفقاً لما تقتضيه التطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، فالهدف هو جوهر الأمة وأساس نهضتها، وليس مجرد تسجيل انكسارات وهزائم لا يلبث العرب بعدها أن يستفيقوا وينتبهوا إلى مواجهة العدو الأساسي إيماناً منهم بعادلة قضيتهم الواحدة وحقهم في استعادة أراضيهم المغتصبة وحقوقهم المنتهكة وسيادتهم المستباحة.
فكان تركيز الغرب والصهيونية خلال الفترة الأخيرة على إحداث تغييرات في بنية العقل العربي على المستوى الفردي، وذلك من خلال تحويل اهتمامات الفرد العربي وتركيزه من القضايا الأساسية والجوهرية إلى المطالب الثانوية وإعادة انتاجها بشكل جديد بحيث تحتل المطالب الفردية أعلى سلم الأولويات بينما تتراجع أو تضيع الحقوق العامة والمصالح المشتركة للأمة.
الأمر الذي يقتضي هدم القيم العليا وبالتالي التنكر للإرث الثقافي التاريخي، وتحطيم الرموز ذات القيمة الحضارية واستبدالها بالمفاهيم المعولمة التي تتنكر لكل قيمة نبيلة وتقطع صلاتها بالأصل والموروث.
وتسجل طريقة التعامل مع قتل زعيم عربي شهادة تزيف الإدعاءات «الثورية» ذلك أن عوامل الثورة لابد لها من أن تتمثل في صدق الدعوة وتحقيق مبدأ العدالة والحكم بالمساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد في إعطائهم حقوقهم ومطالبتهم بواجباتهم وهو ما يفتقد كلياً.
فبعد هذا هل يتنبه الغافلون؟ وهل يصحو الضائعون خلف أوهام الدعوات البراقة للحرية التي تستبطن قتل الجميع.. قتل الوطن..