تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لحظة تأمل

معاً على الطريق
الاثنين 11-8-2014
أنيسة عبود

ربما صارت لحظات التأمل ضرورية، كما ضرورة البكاء والفرح.. لحظات قد تطول ليوم كامل بحيث نجلس صامتين، غائبين عن العالم الذي يتحرك حولنا.. لا نحسّ بحركة ذرات الزمن ولا بحركة ذرات الصوت..

تنفتح أبواب وتنغلق نوافذ ونحن لسنا في دائرة الحدث، إذ قد نكون في أماكن بعيدة وأزمنة بعيدة.. وربما نكون مع أحبة سافروا أو استشهدوا أو خانوا..وقد نكون مع أنفسنا وعوالمنا البعيدة.. أي مع ذواتنا التي فقدناها بسبب ما يحدث في وطننا. إن ما يحدث في سورية يصعب على العاقل الإحاطة به.. ويصعب على العقل تصديقه.. وما يجري من دماء وأوجاع لا يمكن لتراب سورية امتصاصه دون الصراخ (آخ).‏

أحياناً.. ومع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.. ومع انقطاع خطّ الهاتف لأيام وربما لأسابيع ( حسب الواسطة وحسب مسؤولية المسؤول ودعمه، بحيث يرد على شكوى المواطن أو لا يرد، ضارباً مصالح الناس عرض الحائط ) هذا الأمر زاد من خيبتنا نحن القابعون في الصبر بحيث لا جدوى من الصراخ ولا من الشكوى لتبقى حالة التأمل هي الأجدى.. وحقيقة الأمر أن هذه الحالة تزيد من أساي ومن حزني. لأن بعض هذه اللحظات - كما ذكرت - تأخذني إلى أماكن أشتاق أن أراها وأتساءل، هل سأراها؟ هل سأمشي مرة أخرى على جسر الفرات في الرقة الحبيبة؟ وكيف سأمشي والرؤوس المقطوعة لأحبة من شبابنا الصامدين مصطفة على السياج الحديدي، والدم يصرخ في وجوه العابرين؟ كيف سأقدر على النظر إلى ماء الفرات والفرات دمّ.. كيف أسير في قصر الحير وحجارة الحير تنده ( وا معتصماه ). كيف لي أن أصافح أهل الرقة الأعزاء ولا أسألهم عن العجيلي وأيام مهرجان العجيلي.. وعن العشائر الشريفة التي كانت تستضيف الأدباء العرب على مناسف المحبة والكرامة والأدب؟‏

وإذا ما تمشيت على الجسر وصادفت الشمس تغرب وتنزل في النهر فتلمع حبيبات الماء ويلمع السمك الصغير الذي لا بدَّ أنه شبع من أجساد الشهداء.. فهل من سمك (مزقوف) بعد الآن؟‏

وتلوح لي قلعة جعبر وأنا أتسلق أدراجها، ويلوح سد الفرات العظيم ومدينة الطبقة العمالية النموذجية حيث المركز الثقافي الرائع وأمسيتي مع المبدعين العزيزين وليد معماري وحسن .م. يوسف.. هل تعود الرقة وهل نعود للرقة والدماء الغزيرة تفصل بيننا؟‏

ومن الرقة أبتعد إلى دير الزور وإلى جسرها المعلّق.. إلى واحتها وأهلها الرائعين. إلى حقولها وقمحها وشعرائها وأدبائها.. أين هم؟ وهل من جسر سنتمشى عليه ثانية وهل من واحة ومن أمسيات؟.‏

أدبية وفنية وقصائد محكية لشعراء ينسجون من اللغة ( الديرية ) قمصان أعراس ويسيرون على ضفاف النهر.. والنهر يمضي. كما زمن يمضي غير عابئ بما يكتبون!.‏

ليكتب الصمت.. والصمت أحياناً أبلغ من الكلام.. فما قيمة الكلام أمام ما يحدث لأهلنا في الموصل التي نسمع صراخ نسائها وأطفالها ونتساءل ( أين الغرب وإنسانية الغرب؟ أين حقوق الإنسان.. أين الأديان وتعاليم الرب؟.‏

ويطول الصمت.. وتطول جلسة التأمل.. لأصل إلى غزة.. وغزة التي ساهم قادتها الأخوانيون في ذبح شعبي.. غير أني لا أقدر أن أتجاهل الشعب الغزاوي الشريف البريء من جرائم بعض قادته لأنني وكما كل السوريين عندما تتألم غزة نتألم.. وعندما يموت طفل تحت الأنقاض.. يبكي القلب.. هذه هي عقيدتنا ومبادئنا.. فلسطين بوصلتنا ووجعنا.. وإذا كان هناك من مجاهد حقيقي بعد أن لعبوا على اللغة والمصطلحات فهو الفلسطيني الذي يجاهد ضد الصهاينة ويحارب المحتل ويقاوم أميركا.. والمجاهد الفلسطيني لا يتفوق بجهاده وصموده عن الجندي السوري الصابر منذ سنوات، المقاوم للمشروع الغربي الخبيث والمناهض للتقسيم والتفرقة والذبح.. لكن الثمن غالٍ جداً. لقد كلفنا الحياة الآمنة والأرواح البريئة.. كلفنا وطناً كنّا بنيناه بدم الأجداد والآباء.. فماذا سنقول غداً للأبناء؟ وكيف سيرد جهابذة الحرية الأميركية على طفل يتيم وامرأة أرملة وأم ثكلى؟ وماذا سيكون جواب التراب على دماء تسيل في الفرات ودجلة والخابور والعاصي؟ قومي أيتها الدماء.. قومي اشهدي.. أنت اليقين الوحيد، قومي اشهدي واكتبي وجعنا من جديد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 609
القراءات: 692
القراءات: 661
القراءات: 616
القراءات: 638
القراءات: 583
القراءات: 598
القراءات: 804
القراءات: 853
القراءات: 689
القراءات: 668
القراءات: 679
القراءات: 689
القراءات: 781
القراءات: 681
القراءات: 680
القراءات: 663
القراءات: 751
القراءات: 670
القراءات: 815
القراءات: 672
القراءات: 722
القراءات: 813
القراءات: 886
القراءات: 687

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية