مداولات الساعات التي سبقت الاجتماع العربي في الرباط أفصحت في بعض تفاصيلها عن أن أمر العمليات الأميركي مازال ساري المفعول في بعض جوانبه.. وليس بمقدور المناخ العربي أن يعارضه أو يتعارض معه.. ولا حتى في التوقف عند حد في الوقت الحاضر على الأقل.
وجاءت نتائج الاجتماع مطابقة تماماً لتلك التفاصيل.. بل في بعضها تجاوزتها في اشارة واضحة على أن هناك بعض الأطراف العربية ما زالت تحكمها الرغبة في التصعيد من جهة.. وتحتاج وهي تقوم بدور القاطرة الجديدة إلى إثبات وجود من جهة ثانية.
على امتداد الساحات التي احتشد فيها السوريون.. وعلى امتداد الشوارع.. لم يكن لدى أحد منهم شك بهذا المنحى التصعيدي.. حتى أن هتافاتهم ومواقفهم وشعاراتهم باحت بهذا قبل أن يلتئم الاجتماع.. ولم تكن بعده خارج ذلك الإطار.. بل تكرست عملياً.
هكذا هم السوريون .. على عهدهم في الوفاء لتاريخهم..لنهجهم.. لثوابتهم.. وللذكرى التي رسخت بنيان سورية الحضاري والإنساني.
في زحمة الانهماك الذي يعاني منه الطارئون الجدد على قيادة العمل العربي تغيب عن أذهانهم مجموعة من التطورات في المشهد الدولي والتي تفضي في جملتها إلى إعادة ترتيب الأولويات .
وانطلقت حساباتهم كما رسم معادلاتهم بناء على المعطيات التي افترضوها.. لم يأخذوا بعين الاعتبار مايجري من متغيرات.. لم ينتبهوا إلى أن هناك من عدّل في مواقفه.. وهناك من خفف من اندفاعه.. وأيضاً من اكتشف أن جزءاً كبيراً من المعلومات التي بنى عليها رؤيته لم تكن دقيقة.. فخفف من حماسه وقلل من ناريته..
والسؤال: لماذا هذا الاندفاع من تلك الأطراف دون غيرهم.. لماذا لايأخذون بالحسبان هذا المد البشري في الساحات السورية! فيما تتوقف عنده عواصم القرار الغربي مراراً وتكراراً؟!
لاتبدو الإجابة صعبة.. إذ يمكن فهم مقتضيات هذا الانجراف ودوافعه.. ونحن نلمس التزاماً بنيل الرضا الأميركي.. مهما يكن الثمن.. لم يقدّروا العواقب.. لم يحسبوا النتائج.. لم يراعوا التاريخ ولا المصالح العربية التي يرصفونها على رمال متحركة على شاكلة الامارات والمماليك التي تتزعم العمل العربي هذه الأيام.
مانثق به أن «أمانتهم» في الاستجابة للائحة التعليمات الأميركية لم تتغير وجوهها.. لم يبدلوا بعد من اصطفافهم السياسي لإثبات حسن النية للإدارة الأميركية.. أجادوا في ذلك.. لكنهم في الوقت ذاته كانوا فاشلين بامتياز في التقاط الفرص المتتالية، التي أتاحتها سورية حرصاً منها على العمل العربي.. وفاشلين أيضاً في التورية على ادراكهم للمخاطر التي تحيط بهذا العمل.. وبالعرب.
بين إجادتهم هناك وفشلهم هنا تبدو المعادلة القائمة معياراً لفهم تداعيات مايجري.. ولقراءة أبعاد مايتم التخطيط له..و السيناريو الذي يؤدون فيه أدوارهم باتقان يحسدون عليه!! لكن ربما علينا أن ندعوهم مرة أخرى وربما أخيرة.. إلى إعادة النظر.. إلى التمعن والتدقيق في مختلف زوايا المشهد.. فثمة مساحات أخرى ومعطيات مناقضة للكثير مما افترضوه!؟.
ندعوهم إلى رؤية هذه الساحات السورية.. وماذا تقول.. وحينها قد يفكرون في التقاط الفرصة المتاحة.. ونتمنى ألا تطول كثيراً.. كي لاتكون بعد فوات الآوان.
بركة السماء في وجدان السوريين.. لها دلالتها.. و«بركة» الأرض التي تجسدها تلك الحشود البشرية لاتقل أهمية عنها.. ربما أصحاب عباءات النفط وحدهم لايعرفونها.. لايفهمونها.. لأن بركة السماء كما الأرض غريبة عنهم..؟!!
a-k-67@maktoob.com