ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليها مسبقاً خشية أن تقدم في تقريرها بعضاً من مظاهر القتل والتخريب والتفجير الذي تمارسه المجموعات الإرهابية التي انتشرت في أكثر من مكان وساءها أن تبقى دمشق هادئة لا تعير اهتماماً لدعواتهم التحريضية ولم تدخل في مسلسل العنف والإرهاب الذي استعر في المناطق الحدودية بدعم مادي وعسكري واضح ومعروف بالنسبة لجميع المراقبين.
ولكن ثمة من أراد لنفسه أن يتخذ موقفاً محدداً مسبقاً فارضاً الصمم على أذنيه وراضياً لعينيه أن تكونا عمياوين وليستا مغمضتين يمكن لهما أن تنفتحا على الحقيقة ذات حين.
ولكن السؤال الذي يتكرر على كل لسان سواء كان موالياً أم معارضاً أم محايداً وربما معادياً هو وماذا بعد ذلك؟ وإلى متى سوف تستمر حالة التفجيرات التي تستهدف التجمعات البشرية في العاصمة، فضلاً عن زرع المتفجرات على الطرقات، وتخريب خطوط الطاقة إمعاناً في زيادة معاناة المواطنين واحتياجاتهم للمازوت والغاز والكهرباء؟
وهل ثمة مظاهر أكبر للوحشية تنتظرها البلاد تنفيذاً لمطامع خارجية وخطط مرسومة منذ أمد بعيد.
باعتقادي أن سورية دخلت المرحلة الأصعب والأشد خطورة في مسار الأزمة الأطول في مسلسل «الربيع العربي» المزعوم وهذه المرحلة تعكس حالة الهياج التي وصلت إليها الأمور، فبعد أكثر من عشرة أشهر كان ينتظر أصحاب المخططات الخارجية مزيداً من الدمار والخراب والقتل في جانب، إضافة إلى تصدع في بنية الدولة وهيئاتها ومؤسساتها كلها.. الأمر الذي لم يحدث أبداً، فالأهداف أخطأت التقدير ولايبدو أنها ممكنة التحقق في المدى المنظور، بل على العكس فقد أبدت هذه المؤسسات كلها تماسكاً وقدرة على الحركة وضبط النفس. كما استمرت في القيام بعملها المعتاد، فماذا يبقى بعد ذلك؟
من هنا كان اللجوء إلى تنفيذ سلسلة التفجيرات والمتوقع استمرارها في دمشق وغيرها، وقد تمتد إلى مناطق أخرى لأنها لم تستجب لدعوات التحريض المستعرة.
أما الهدف من هذه التفجيرات فهو زرع الخوف في أذهان المواطنين الذين يتنادون لمواجهة دعوات التحريض وإعلان إيمانهم بمشروع الإصلاح الوطني، ويستمرون في الحضور المكثف في ساحات الوطن ومساجده معلنين رفضهم لكل مظاهر العنف والإرهاب، ويحافظون على مواقفهم الواعية باعتبارهم يملكون رؤية واضحة لكل ما يحاك ضد وطنهم، ويدركون أن الشعارات المطالبة بالتغيير السلمي مجرد كلام كاذب ودعاوى يتبعها تحريض إعلامي وتنفيذ لعمليات قتل وتخريب وسعي لتفتيت البلاد وإضعاف قوتها ما يسهل تسليمها برخص للعدو الذي يتربص بها، تاركاً للمخربين والإرهابيين تنفيذ الدور الذي كان ينفذه سابقاً..
وما يزيد من قتامة المشهد تلك التعليقات الإعلامية التي تستهين بوعي وفكر مواطنينا، عندما تدعي أن الدولة، وأجهزتها تنفذ هذه التفجيرات عقاباً لأبناء دمشق، فأي استهانة بعقولنا أبعد من ذلك، إنهم يعكسون واقعهم بأنهم يعاقبون ويقتلون من لا يوافقهم في غيهم وطغيانهم.