أما لماذا لم ينتصروا على إسرائيل.. فلأنهم بصراحة قد لايرون فيها العدو الذي لابد من الانتصار عليه..
إلى إسرائيل توجهوا بالمبادرة العربية راجين مترجين مستعدين لكل مفاوضات.. لكن.. قذفتها رطبة في وجوههم ولم يروا فيها ما يستحق الذكر فجفت في وجوههم وابتلعوها ومعها جهود واضعها.
أما إلى سورية فقد توجهوا بالبروتوكول الإنذار، ولاإنذار غورو، لايقبل الاعتراض ولاالنقاش.. بل التوقيع فقط.. ولو وقّعنا لكان أول الغيث الذي سيتحول إلى طوفان..
مشكور حمد بن جاسم، فوجوده لايترك لنا حاجة طويلة للبحث عن ظلال المكيدة.. أبداً.. قولوا لنا عن مواجهة عربية واحدة لم يكن فيها آل ثاني هم اللغز، محبون والخنجر تحت العباءة..
يؤيدون العراق ويستقبلون القوات الغازية..
يؤيدون الفلسطينيين ويطردون قادة حماس إلى سورية..
يؤيدون المقاومة ويخفق العلم الإسرائيلي في خيامهم..
يتباكون على الشعب السوري ويكوونه بالعقوبات..!
هل يحق لنا سؤال ؟:
من الذي أعطى لهؤلاء كل هذا الوقع والتأثير والزخم.. ؟!
أجيبكم بصراحة: تخاذلنا في بناء دولتنا.. ورائحة نفطهم وأموالهم تشتهيها انوفنا- لاتؤاخذونا- إنهم اختراع عجيب ولد من ضعفنا.. فقلب كل المعايير..
لاالعروبة معيار.. ولاالقضية الفلسطينية معيار.. ولاالمقاومة.. ولاالعداء لإسرائيل.. أبداً.. لديهم ما هو أولى اليوم.. العداء لإيران.. ومن هنا وعبر هذا الطريق فعلها العرب.
أخيراً فعلها العرب.. حققوا «انتصارهم» الأول في حياتهم المعاصرة..
في الماضي لم يكن العدو يستقطب جهودهم.. ذلك أن العداء لإسرائيل فرض عليهم فرضاً.. تولت سورية ومصر – بشكل رئيسي - مهمة التصدي، أما هم فكانوا محرجين بين انتمائهم العرقي القومي ومايفرضه عليهم من مواقف، وبين سيدهم الغرب الأميركي وما يطلب منهم من مواقف.. وكان لابد لهم من أن يحددوا العدو بدقة كي يحققوا انتصاراتهم..
من هو العدو ..؟!
بالنسبة لهم هو من يعادي أميركا..؟! وسميناهم عرب أميركا.. لكن.. سميناهم كذلك وسعينا إليهم وتنازلنا عن الكثير.. الكثير.. في سبيل شراكتهم، فأموالهم أسهل وأقرب وأنفع لمن لايرى النفع إلا في نفعه الخاص المباشر..
اقتربنا من دول الخليج.. اقتربنا.. اقتربنا.. تلاصقنا في كل شيء تقريباً وأصبحت حسابات مواقفهم فوق كل حساب.. حتى أصبحنا – ربما – دولة خليجية بالوكالة.. تفادياً للخطأ الجغرافي أقول أصبحنا دولة نفطية بالوكالة.. وانقادت أسواقنا إلى ما عندهم.. حتى وصلنا إلى بلد تخسر فيه الصناعة والزراعة.. ونستمر؟!
عندما تدفقت أموال الخليج إلينا.. حققت مع مساهمة جزئية من عائداتنا النفطية ثلاث نتائج أولية:
1- فتح أبواب الفساد والأثراء اللامشروع بلا حدود.
2- دخول مغامرة اقتصادية في التنمية، لم تزل بعض آثارها السلبية قائمة حتى اليوم.
3- بدأنا مشوار التحول إلى خليجيين لتتحول أراضينا إلى رمال وقحط.
لكن.. ثمة فاتورة لابد أن تدفع عندما تستحق..
أول استحقاق لفاتورة التحول كانت في منتصف الثمانينات تماماً بعد أحداث الأخوان المسلمين.. على أثر ضغوط اقتصادية على سورية «لم تصل مستوى الضغط الراهن..»..
أين ذهبنا..؟!
اندفعنا إلى الأرض إلى البلد إلى الوطن إلى المواطنين، وبسنوات معدودة اقتربنا من الاكتفاء بعد أن عزت علينا لشهور طويلة الكثير من الضروريات وفي مقدمتها السلع الغذائية الزراعية فتصوروا!!.. تفاح.. برتقال.. بندورة.. سمن.. زيت.. وحتى الخبز.
وصلنا الاكتفاء بحدود كبيرة.. ولم ينفعنا الدرس كثيراً.. إذ أسرعنا إلى الأرقام الخلبية في الاقتصاد الافتراضي.. بل بجرأة تحدثنا.. أن الزراعة عبء علينا..؟!
لماذا..؟!
لا شيء.. ببساطة لأننا لانعرف كيف نتصرف لنستفيد من منتجاتنا بشكل كامل.. مازلنا نصدر خاماً..
واليوم هناك استحقاق آخر للفاتورة.. اليوم كشف العرب عن وجوههم.. عرب أميركا.. لم يعد من حاجة للشرح والتفصيل فهم يقولونها بكل فخر.. حقل غاز وقاعدة أميركية وأمير مخادع.. وخلفه يقف العرب-حرصاً على الإجماع ليس إلا!!!- ليعاقبوا سورية من أجل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية!.
لا أنفي حاجتنا إلى الحرية والديمقراطية.. أبداً.. وإليها يجب أن نمضي ليس استجابة لضغوط الضاغطين.. ولالمعارضة في الخارج أو الداخل.. بل استجابة لحاجتنا الأكيدة المقر بها..
الحرية والديمقراطية دون أي تعديلات تترك فرصة لتجاوز أي منهما لمصلحة أي كان..
أما العقوبات الاقتصادية.. فلا يغافلنا أحد ليقلل من آثارها.. هي تضعنا تحت جمر النار فإلى أين!؟
مرة أخرى ودائماً.. إلى أرضنا وشعبنا.. سلاحنا الإيمان بهما وطريقنا أيضاً الحرية والديمقراطية.
دون أي مبالغة نحن نستطيع المقاومة ليس السلبية وحسب بل الإيجابية.. بمعنى أننا نستطيع أن نفيد من حالة حرب وضعنا فيها لإقامة اقتصاد أكثر عمقاً وإنتاجاً وارتباطاً بمصالح الشعب بكل طبقاته..
في الجولة الماضية أدخلتنا الضغوط إلى الاكتفاء الذاتي.. واليوم.. يمكن أن توصلنا هذه الضغوط إلى تأكيد هذا الاكتفاء وتعميقه وزيادة فوائضه والخروج به إلى العالم دون توقف طويل عند العرب.. على الأقل عند الجامعة ومؤسساتها.. بصدق لم يعد فيها ما..
قدرنا بيدنا.. وعقوباتهم بيدنا.. نحن الذين نستطيع ترسيخها كعقوبات يئن تحتها المواطن.. أو نجعلها مفتاحا لكل مواطن ليكون مستثمراً ورجل أعمال في وطنه.
as.abboud@gmail.com