لكن كان من السهل على كل من جال على تلك الوجوه أن يلمس درجة الغضب من الجامعة وقراراتها.. من العقوبات وطريقها المسدود.. وكان أيضاً بمقدوره أن يلتقط تلك المسارات التي ارتسمت على وجوههم وهم يعلنون بالفم الملآن قرارهم الوطني.. وإن فرضت عليهم المواجهة فهم لها.. اعتادوا عليها على مدى عقود.. ضحّوا وصمدوا وخرجوا دائماً منتصرين.. وهم كذلك اليوم..
لم تكن تلك التعابير على وجوه السوريين مجرد انطباع.. بل هي حقيقة تحركها مشاعر الذين اصطفوا منذ الصباح الباكر.. خرجوا ليعلنوا قرارهم.. ليؤكدوه من جديد وإنهم على استعداد لتأكيده كل يوم.
هكذا شهدت الساحات السورية ولادة القرار.. وأعلن من هناك ملايين السوريين هذا القرار بوضوح.. دون مقدمات، دون شرح أو تفسير، وهو الذي لم يكن بحاجة لذلك أبداً..
لم تكن المرة الأولى التي يولد فيها القرار السوري في هذه الساحات.. ولم تكن أيضاً الاختبار الأول للسوريين، فقد سبق لهم أن خطوا رسائلهم في الماضي ويعيدون الكرّة مرة أخرى اليوم بعناوين أوضح.. وباختصار أشد.. ومن الطبيعي أن يكون هذا القرار الذي أعلنه السوريون.. هو ذاته التي تؤكده سورية، فكما هي التجربة الممتدة كل هذه السنوات، جاءت في لحظة الاختبار مطابقة تماماً لما هم عليه.. لما كرّسته هذه العلاقة التي تستمد قوتها من هذا التواصل الذي أبدعه السوريون على مدى السنوات.
منذ البداية أعلنوا هذا القرار.. أعلنوا رفضهم لقرارات الجامعة العربية بكل ما فيها من إجحاف.. وأعلنوا رفضهم لمبدأ العقوبات.. كان مريراً عليهم أن تعاقبهم الجامعة العربية، وهم الذين دفعواً ثمناً غالياً في الحفاظ عليها لعقود طويلة، وكان مريراً أيضاً أن يعاقبهم أشقاؤهم وهم الذين فتحوا أبوابهم على مصراعيها لاستقبالهم كلما ألمّت بهم المحن أو ضاقت بهم السبل، وكلما أيضاً أرادوا أن يكونوا هنا..
ومنذ البداية كانوا يدركون المسار الذي تسلكه .. حسّهم الوطني قرأ المعطيات واستدرك كل ما بين السطور، وكان مصيباً في هذا القرار.. لذلك رفضوا المسّ بسيادتهم وبقرارهم الوطني المستقل ومن الطبيعي أن تتلقى قيادتهم هذا الصدى مباشرة، وأن تأخذ به في كل المعطيات لأن حسّ الشعب هو الأصدق.. وهو الأقدر على فهم الأبعاد.. وهو الذي يحدد كيف يتصدّى لها.. ويتحمل في سبيلها كل ما يتطلبه..
الدبلوماسية السورية أمس كما كان السوريون..وضعت النقاط على الحروف.. بعد أسابيع وأشهر من الصبر والمداورة أحياناً، كان لا بد من الحسم.. فجاءت بكل التعابير التي فيها إنصاف لهذا الصوت السوري الذي شهدته ساحات الوطن.. وتأكيداً على الموقف الذي يتلاقى ويتقاطع مع مواقف السوريين.. لم يكن أحد بمقدوره أن يتخيل غير ذلك أو أن يتوقع إلا هذا..
رهان القوة يبدو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.. وأوراق السوريين الكثيرة تبدو جاهزة أيضاً، عندما يُعاقب السوريون فإن الواجب يقتضي الدفاع عنهم بكل ما هو متاح.. مادامت هي حرباً معلنة في السياسة وفي الاقتصاد وفي الإعلام.. كما هي في الإرهاب ودعمه وتمويله..
لم يخف السوريون في الماضي من حروب أولئك المعدة سواء كانت في الكواليس أم على الطاولات وعلناً ولا من أدوات استهدافهم.. وهذه الحروب اليوم وإن تعددت جبهاتها وكثر المرتزقة فيها والمأجورون والأدوات والوسائل.. فلن تخيفهم.. صوتهم الواحد في ساحات الوطن خير شاهد وأداؤهم على الأرض خير إثبات..!!
a-k-67@maktoob.com