ومن هي الجهات التي تدعم هذا الاتجاه، وما أهمية التوقيت الذي يجري فيه هذا الاستفتاء كعمل استفزازي؟
قد تكون الإجابة الأولية من السهولة بمكان من حيث الدعم الصهيوني للكيان العدواني، فالمعروف أن جهات صهيونية عديدة بدأت الحملة الإعلامية لدعم الاستفتاء في الوقت الذي تشبث مسعود البرزاني بموقفه الرافض للتأجيل واعداً باحتمال الدخول بمفاوضات وحوارات مع الحكومة الشرعية في بغداد إلى ما بعد الاستفتاء باعتباره سيمتلك ورقة ضغط قوية كتفويض شعبي ضمن مفهوم حق تقرير المصير، الأمر الذي سيدخل العراق في احتمالات مفتوحة يقف في مقدمتها الاحتكام إلى السلاح والمواجهة العسكرية، وهو احتمال كبير لأنه يقسم العراق وفق رؤية ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق إلى ثلاثة كيانات فئوية.
يستند الانفصاليون إلى المصالح الاقتصادية للشركات الإيرانية والتركية العاملة في الشمال العراقي، فهناك قرابة مئة شركة إيرانية وأكثر من مئتي شركة تركية تعمل في مختلف النشاطات الاقتصادية بدءاً من النفط وصولاً إلى الفنادق والخدمات، ومن المعتقد أنها ستشكل عوامل ضغط إضافي لمصلحة الانفصال وفق التوهمات البرزانية والصهيونية.
وفي نظرة للمقاربة نجد الشبه الكامل ما بين الكيان الصهيوني والكيان الكردستاني الموعود، فالأول تم إنشاؤه وزرعه وسط محيط معاد بالكامل ليمنع الاتصال والوحدة ما بين الأقطار العربية في المشرق والمغرب، وكذلك الأمر بالنسبة للكيان المستهدف فهو يقام في محيط معادٍ سياسياً يعتمد التضحية بالشعب الكردي الشقيق والمظلوم على حساب تقوية الكيان الصهيوني، وهو يتزامن مع سقوط المؤامرة الإرهابية على كل من سورية والعراق، فمع فشل مشروع داعش الذي استهدف إسقاط الأنظمة السياسية في كلا البلدين وتقسيمهما وإضعافهما لمصلحة كيان العدوان يأتي الاستفتاء على الانفصال تعويضاً للدور الداعشي الآيل إلى التلاشي والاندثار، فحكومة تل أبيب العدوانية منيت بخسارة كبيرة نتيجة اندحار المجموعات الإرهابية في كل من سورية والعراق فبدأت استعادة مشروعها القديم في التقسيم والانفصال كجزء من المخططات الاستعمارية التاريخية والموكل قسم كبير منها للكيان الصهيوني ليستمر في اتباع أساليب جديدة ومبتكرة تتوافق مع الحالة المستجدة والتطورات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية وما يرافقها من قيم ومبادىء وسلوكيات وأنظمة دولية وأحلاف وتناقضات، فيتم توظيفها بصيغ ومعادلات جديدة، حيث يتم الاستفادة من التناقضات والخلافات الصغيرة والهامشية وتحويلها إلى تناقضات جوهرية تستدعي صراعاً تناحرياً يضعف في النهاية جميع المكونات في المنطقة العربية ويتم استغلال التنوع العرقي والثقافي في الصراع المصيري مع الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني في فلسطين المحتلة، ونحن نجد اليوم أن الفئات التي عاشت آلاف السنين في وئام ووفاق وانسجام وتكامل تهدد وجودها عبر الدعوات للانفصال ومساعدة الكيان الصهيوني، وما رفع الأعلام الإسرائيلية إلى جانب أعلام إقليم كردستان إلا بمثابة وضع الرصاصة الأولى في وضع الاستعداد لإطلاق النار، وهو الاحتمال الأكبر لتبدأ بعدها عمليات التفاوض والتحاور بعد خسارة الثروات الموجودة في الإقليم وهدر الإمكانيات الكبيرة في العراق وخسارة المزيد من الدماء البريئة التي تراق دون ذنب في خدمة المشاريع الصهيونية الكبرى.