تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التيه المقصود؟

معاً على الطريق
الأحد 4-12-2011
مصطفى المقداد

لم يكن الوصول إلى الحالة الراهنة سهلاً، فقد دأب الغرب الاستعماري طويلاً على تخريب البنى الفكرية، والقيم العليا على مدى سنوات طويلة، بحيث يجرؤ البعض على التنكر للمبادئ الأساسية، والقيم التاريخية للأمة،

ويدعو للتخلي عنها، مقابل التمسك بمطالب فردية باعتبارها من الحقوق الشخصية، وترويج أفكار مضللة وهدامة، بحيث يغدو فعل التآمر مشروعاً، والعلاقة مع العدو وجهة نظر، والخيانة الوطنية موقفاً شخصياً، والدعوة إلى القتل رد فعل لخطأ إداري أو فساد سياسي.‏

ولا غرابة أن نستذكر أول إجراء عملي لحكومة الكيان العدواني في فلسطين المحتلة والمتمثل في قرار حكومته إنشاء قسم الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية، ذلك القسم الذي حدد مهمته بدراسة الحقبة الصليبية وحروب الفرنجة بحيث يتم تجاوز كل الأخطاء التي وقع فيها قادة وسياسيو ومفكرو الفرنجة قبل ألف عام بحيث يتم تجاوزها، الأمر الذي يسمح لحكومة كيان العدوان بالاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم الوقوع في فخ حطين الذي أخرج الفرنجة إلى غير رجعة.‏

وباعتقادي أن الفكرة الأساسية التي تم تكريسها في الشارع العربي على مدى السنوات الأربعين الماضية تمثلت في عدم وجود أي شكل للمؤامرة، وكان الحديث عن هذا الشأن يأخذ شكل الاستخفاف بصاحبه، عبر نفيه أو التقليل من أهميته، والتركيز في المقابل على حال التخلف والجهل والفساد والترهل الإداري وغياب الحكم الرشيد في بلادنا، حتى غدت كلمة (مؤامرة) مصطلحاً مرفوضاً، ومنسوخاً من التعاملات الثقافية والإعلامية كما في الحوارات والنقاشات الشخصية، وهو الأمر الذي فعل فعله في الفكر والوجدان والوعي العربي.‏

وعلى التوازي تم تكريس قيم ومفاهيم أخرى عبر آلية وطريقة الرفض، وذلك عبر تكرار مفاهيم التجزئة والاحتلال والسيطرة الخارجية باعتبارها أهدافاً خارجية تقف محطات التلفزة ومراكز البحوث ومراكز الدراسات الاستراتيجية ضدها وتعمل على مواجهتها، مثل تكرار مقولة إن المشاريع الأميركية والغربية في المنطقة تهدف إلى تقسيم المنطقة والسيطرة عليها، والذهاب إلى أبعد الحدود في تقسيم المقسم أصلاً منذ أيام اتفاقية سايكس بيكو وتفتيت المفتت أصلاً وذلك عبر التركيز على الاختلاف الاثني والعرقي والثقافي الموجود أصلاً بصيغة متوحدة في المنطقة ذاتها عبر آلاف السنين دون أي شعور بالغبن أو الخوف من قبل أي فئة أو مجموعة أياً كانت ثقافتها، وأياً كان معتقدها ومهما اختلفت عاداتها وتقاليدها، وفيما عاشت آلاف السنين برضا وانسجام في محيطها القريب والبعيد، فإنه بدأ العمل على التوسيع في إبراز الخلافات عبر مقولة حماية الثقافات الخاصة وتشجيعها على الانفصال عن جسد الدولة المركزية والابتعاد عن الروح الثقافية الجامعة للمجتمع كله..‏

وكان ما ساعد على تعميق هذه الأفكار والقيم الجديدة في عقول ووجدان المجتمع الممارسات الخاطئة، والسياسات غير الرشيدة للحكومات العربية التي ارتضت لنفسها الاستمرار في ظل استشراء حالات الفساد، والترهل الإداري دون اهتمام حقيقي بمطالب الشعوب ومصالحها، ما زاد من حالة الغضب الشعبي، وهو ما تم توظيفه أو جزء منه في الاحتجاجات التي تعاظمت وكبرت لتصل إلى مرحلة التخريب والقتل والتمثيل والتدمير والحرق.‏

وفي مرحلة الفوضى التي رافقت الاحتجاجات والمواجهات بدأت عمليات التدخل الخارجية تأخذ طريقها نحو التنفيذ الميداني عبر آليات الدعم والتمويل الماليين وتقديم الاستشارات التخريبية فضلاً عن إدخال السلاح، والاستعداد لتدريب المسلحين بعد استعار المواجهات وخلق بيئة أكثر تقبلاً للقتل بعد إشاعة سياسة القتل المدعومة بروايات تعمل على زرع الكراهية والحقد..‏

وبعيداً في الخارج يتفرغ المخططون راسمو السياسات لتجميع كل أطراف السوء التي انسلخت عن أمتها، وارتضت العمالة أسلوباً لتقدمها وكأنها حاملة مشعل الإصلاح والخلاص.. كل ذلك مدعوم بحملات إعلامية تمارس ضغوطها على الحكومات الغربية، وتضلل شعوبها «الحرة» بنفس الطريقة التي تحاول أن تضلل شعبنا، وهي تستخدم لذلك كل المؤسسات والهيئات الدولية التي تسيطر عليها وتصوغ قراراتها وفقاً لرغباتها..‏

نعم إنها المؤامرة.. والمؤامرة حقيقية.. ومهما حاول البعض إنكارها فإن الوقائع تؤكدها.. ونحن أحوج ما نكون لإعادة النظر في طريقة تفكيرنا..‏

وتحليلنا لكل ما يجري.. وبكثير من الوعي.. ونستذكر قول أحد أحكم أجدادنا:‏

رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 مصطفى المقداد
مصطفى المقداد

القراءات: 11634
القراءات: 950
القراءات: 886
القراءات: 865
القراءات: 904
القراءات: 929
القراءات: 972
القراءات: 894
القراءات: 945
القراءات: 1006
القراءات: 964
القراءات: 955
القراءات: 974
القراءات: 973
القراءات: 977
القراءات: 1072
القراءات: 1006
القراءات: 1055
القراءات: 1063
القراءات: 1044
القراءات: 921
القراءات: 991
القراءات: 1038
القراءات: 1041
القراءات: 952
القراءات: 1091

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية