بحيث يكون اللقاء الثنائي الروسي الأميركي في نهاية المطاف محطة نهائية يتم عبرها ترسيم ما تم إظهاره في اللقاءات التي سبقته.
وبينما كانت القمة بكبارها تحصي أرباحها وخسائرها قبل أن تبدأ، فإن بعض من ارتضى بينهم أن يكون في المقعد الخلفي للعربة الأميركية كان يسارع إلى المساومة في القضايا الإقليمية كمقدمة لرسم ملامحها مسبقاً بما يخدم الأجندة الغربية التي حاولت أن تراهن منذ أشهر على موعد القمة كتاريخ يصلح ليكون خطاً فاصلاً في المقاربة الدولية للكثير من القضايا المشتعلة، في رسائل اقتضت في بعض مراحلها الرد وبالخط الروسي الواضح، ومن دون تشفير.
فالرئيس الأميركي جاء إلى اللقاء المنتظر مع الرئيس الروسي، وقد أكثر من الأوراق التي جمعها , بعضها سبق له أن استخدمه، وبعضها الآخر استجد بحكم التطورات، لكن أغلبه افتقد لفعاليته قبل أن يُجرب، وفي جزء منه تحول ليكون عبئاً عليه أكثر منه عوناً له، ولم تستطع مناورات البريطاني المسبقة، ولا محاولات الفرنسي اللاحقة إضافة ما يقوي من موقف الأميركي.
هذه ليست أحجية، ولا هي من باب الألغاز السياسية المنتشرة بكثرة هذه الأيام، بقدر ما تعكس واقعاً فعلياً يحكم الكثير مما طرحه الرئيس أوباما، حيث لمس ويلمس أن بعض تلك الأوراق التي فردها للاستخدام أو لوح فيها قبيل القمة قد حملت تداعيات معاكسة، وكان لها ارتدادات حاضرة بقوة في قاعة اللقاء، وفي تفاصيل المباحثات مع الرئيس بوتين.
والأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، بل أعطى للرئيس الروسي الفرصة كي يطرح ما هو أبعد مما كان مخصصاً في اللقاء، مما دفع بالرئيس أوباما إلى سحب بعضٍ مما كان قد طرحه، ولم تنفعه الاستعانة المتأخرة بكل ما لديه من قصاصات كان قد ارتأى تأجيلها إلى وقت لاحق، وخصوصاً حين أدرك أن ما يمتلكه كان افتراضياً في الهواء أكثر مما هو على الأرض، وخصوصاً حين راهنت الإدارة الأميركية في بعض المراحل على تلك القصاصات كي تكون حصانها الرابح واعتمدت عليها في تقديم المقاربات التي سبقت اللقاء.
لا يكفي الاعتراف بوجود نقاط الخلاف الكبيرة كي نعتقد انه يمهد الطريق أمام الرئيس أوباما لإعادة النظر بالكثير من حسابات إدارته المتسرعة التي سبقت اللقاء، أو لنتوقع بأنه سيخفف من الأحجيات التي اعتادتها طوال الفترة الماضية، لكنها قد تكون مدخلاً يصلح من حيث المبدأ لفهم ما اقتضته الرسائل الروسية تحت مسميات وبنود تعددت بتعدد مستويات تلك الرسائل وتوقيتها، خصوصاً بعد اللغة الواضحة التي استخدمها الناطق باسم الخارجية الروسية قبيل اللقاء بأن روسيا لن تسمح بإقامة منطقة حظر جوي.
على المقلب الآخر كان حديث الرئيس أوباما عن الاتفاق الروسي الأميركي على منع استخدام الأسلحة الكيماوية قرينة لا تحتاج للكثير من الشرح على أن الحجة الأميركية في ذريعة الكيماوي كانت عسيرة الهضم، وربما قد تم سحبها من التداول، لأن روسيا لم يكن بمقدورها أن تمررها، فيما جاءت التتمات الأخرى بدعوى اللباقة الدبلوماسية، اكثر منها إشارة فعلية إلى تحقيق اختراق حقيقي.
قد يطول الحديث عن القمة الروسية الأميركية، وقراءة تبايناتها المختلفة، خصوصاً أن قدم الأميركي كانت على رمال متحركة، فيما برع الروسي في الرسم خارج تلك الرمال، في حين تطوي قمة الثمانية ما أفردته على طاولة اجتماعاتها، بانتظار أن يتمكن المناخ العالمي من رسم إحداثيات جديدة في مشهده، وقد تموضعت على طرفي المعادلة فيه خطوط التقاطع التي أطلقها الحدث السوري، ليكون الحد الفاصل بين ماضي استحوذت عليه هيمنة الغرب، وحاضر يمهد لعودة الروح للمبادئ الدولية.
a.ka667@yahoo.com