تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دمشق عاصمة للثقافة

معاً على الطريق
الأحد 7/10/2007
برهان بخاري

قبل الدخول في لجة أي تفاصيل حول إشكالية عنوان المقال فإنني أصر على أننا ما زلنا بحاجة ماسة

إلى تعريف دقيق وشبه متفق عليه للثقافة وللمثقف حتى ضمن إطارات عريضة فضفاضة, وعلى الأخص بعد هذه القفزات النوعية الهائلة في مجال الحاسب والانترنت والفضائيات, فأنا ما زلت مصراً على أن نسبة لا يستهان بها ممن يطلق عليهم أو يطلقون على أنفسهم صفة أو لقب مثقفين هم جهلة وأشباه أميين, وعليه ما هو شكل الثقافة التي ستكون دمشق عاصمة لها?‏

بداية أقول إن اختيار مدينة كعاصمة للثقافة لا يكون بسبب عراقتها التاريخية فقط وإلا لجرى اختيار الأقصر أو تدمر أو البتراء أو مدائن صالح عواصم للثقافة لكن السبب وراء الاختيار هو دراسة ماتجمع في بوتقة أي مدينة عريقة حية من تراكمات ثقافية تفيد الراهن والمستقبل ضمن إطار إنساني شمولي.‏

ثانياً: معروف أن الثقافة المبدعة الأصيلة لا تعيش إلا ضمن إطار تفاعلي تلاقحي تكاملي بين مختلف العناصر المكونة لها من علوم وفلسفات وايديولوجيات وفنون وأدبيات, وأنها يجب أن تنأى قدر الإمكان عن مختلف أشكال العصبيات السياسية, لكن ما يفسد الثقافة بعامة والثقافة العربية خاصة هو السياسة التي باتت تتدخل بكل صغيرة وكبيرة في مختلف ساحاتها وشؤونها لمصالح قطرية ومحاورية خاصة.‏

وضمن الأجواء السائدة والتي تحاول محاصرة سورية وعزلها بسبب مواقفها الممانعة ليس مستبعداً أن يجري العمل على إضعاف أو التقليل من شأن هذه المناسبة القومية العالمية, فمحاولات مقاطعة الدراما السورية خلال هذا العام باتت مكشوفة ومعلنة على نطاق واسع رغم التميز الاستثنائي لهذه الدراما, وعليه يجب التنبيه مبكراً إلى هذه الناحية, ومحاولة حشد جهد إعلامي عالي المستوى لتخليص الثقافة من براثن السياسة حتى يقوم المثقفون العرب بالدور الذي يمليه عليه واجبهم وشرفهم تجاه تكامل وفاعلية الثقافة العربية, بعيداً عن مختلف الحساسيات على الصعيد السياسي أو الإيديولوجي أو المحاوري.‏

ثالثاً: إن دمشق أو أي مدينة أخرى, بما تذخر به من عادات وتقاليد وأعراف وثقافات, هي أولاً وأخيراً ملك لأهلها, ومختلف أنظمة الحكم التي مرت عليها هي جزء من تاريخها, والشعب هو المعول عليه في إبراز مختلف أشكال الثقافة والإبداع التي تتميز بها مدينته, وعليه فإنه من دون مشاركة شعبية تلقائية أصيلة وعميقة وواسعة لا يمكن أن نصل إلى مبتغانا, والأمر لا يمكن أن يقف عند حدود نواد أو جمعيات محدودة التأثير كجمعية أصدقاء دمشق التي تقوم بجهود مشكورة, لكنها ضيقة النطاق جداً نظراً لإمكاناتها المتواضعة, لكن تبقى المشكلة في إقناع الشعب بالمشاركة الفاعلة عبر إشعاره بأن دمشق هي مدينته وليست مدينة الرسميين والمتنفذين.‏

لو ألقينا نظرة خاطفة على ما يقوم به الشعب الألماني مثلاً لإحياء ذكرى موزارت أو بيتهوفن أو غيرهما من المبدعين, لرأينا العجب العجاب.‏

في عام 1979 دعيت إلى طشقند للمشاركة في العيد الألفي لابن سينا وكان احتفال أوزبكستان يمثل ذروة الاحتفالات التي جرت في مختلف جمهوريات الاتحاد السوفييتي بحكم كون ابن سينا أوزبكياً وقد حضر الاحتفال رئيس الجمهورية ومختلف القيادات الحزبية والسياسية والفكرية والإبداعية, لكن ذروة الاحتفالات الحقيقية كانت في مدينة بخارى التي كانت إحدى قراها والتي تدعى (أفشنة) مسقط رأس ابن سينا, ولو كان كتاب غينيس للأرقام القياسية موجوداً أو متابعاً آنذاك لسجل أكبر مائدة في التاريخ بطول عشرات أو مئات الكيلومترات, فكل بيت وضع مائدة على حصته من الرصيف متصلة بمائدة جاره, وهكذا امتدت الموائد على مختلف أرصفة بخارى, وكان كل صاحب بيت يتوسل المارين أن يذوقوا لقمة واحدة من طعامه وعلمت أنه قد جرى التحضير لهذا الأمر فردياً وطوعياً قبل بضعة أشهر.‏

طبعاً نحن لا نحلم بقيام مثل هذه الأمور لكننا نؤكد على أن الدور الشعبي شيء فاعل وحاسم ولا يمكن إقناع الشعب بلعب دوره بشكل فوقي واستعلائي, بل بإقناعه أنه شريك أساسي في العملية بأسرها.‏

رابعاً: مع احترامي لوزير الثقافة الصديق د.رياض نعسان آغا ول د.حنان قصاب حسن التي تجمعني معها ومع زوجها وعائلتها علاقات صداقة حميمة فإن المهمة قعصاء والأدوات هزيلة.‏

فوزارة الثقافة منذ أن ولدت ولدت كسيحة لكثرة ما أنيط بها من اعباء, فمحو الأمية على سبيل المثال كان بحاجة إلى وزارة خاصة واسعة القدرات والنفوذ, لكن محو الأمية وإبان تنفيذ القرار الحاسم رقم سبعة القاضي بدفن آخر أمي في سورية في عام 1977 كانت تابعة لمديرية ملحقة بوزارة الثقافة اسمها مديرية محو الأمية, وكان مديرها ضابطاً متقاعداً هو الراحل سميح العيسى, وفي أواسط السبعينيات غادر وزير الثقافة فوزي الكيالي الوزارة وغادر سورية إلى أميركا آخذاً معه الجمل بما حمل.‏

ما أود الوصول إليه أنه لا يجوز تحميل وزارة الثقافة اعباء هي غير قادرة عليها من الناحية البنيوية واللوجستية والمؤسساتية, ولابد من البحث عن إطارات أوسع وأضخم بكثير لتنفيذ هذه المهمة القومية والإنسانية, كي يجري نوع من التوازن بين الثقل السياسي الاقليمي والدولي الذي تلعبه سورية وبين الثقل الثقافي والحضاري الذي تحتله بشكل فعلي.‏

خامساً: ثمة التباس بين كلمة (دمشق) وبين كلمة (الشام) فكلمات مثل دمشق والفيحاء وجلق هي تسميات تاريخية أما كلمة الشام فهي التسمية الحقيقية لدمشق, فهي شام شريف عند قاطبة المسلمين التي كان ينطلق منها المحمل الشامي للحج إلى الأراضي المقدسة, وكل الشوارع التي تنطلق إليها من المدن والقرى والبلدات المؤدية إليها يطلق عليها طريق أو درب الشام وحتى أهالي أطراف دمشق مثل الشيخ محي الدين والمهاجرين والميدان والقصاع كانوا يقولون نازلين على الشام.‏

وعليه فإن دمشق ليست عاصمة سورية السياسية بل هي عاصمة بلاد الشام الطبيعية وأعني سورية ولبنان وفلسطين والأردن, وعليه فإن على مثقفي هذه الكيانات السياسية التي تمزقت بفعل معاهدة سايكس -بيكو أن يتوحدوا لإظهار الأبهة الثقافية لعاصمة بلاد الشام وهم ليسوا بحاجة لأي نوع من أنواع الدعوات لأنها عاصمتهم الحقيقية والروحية بصرف النظر عن الترهات السياسية.‏

خامساً: اعتبرت دمشق اتفاقاً قلب العروبة النابض وشكلت المهاد الحقيقي للثورة العربية الكبرى قبل أن تنحرف هذه الثورة عن أهدافها, ومثلت بؤرة اليقظة والوعي والنهوض العربي, وأرجو أن تستعيد دورها كعاصمة للثقافة رغم كل هذه الظلال الغربانية المشؤومة.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 07/10/2007 01:21

برأي الشخصي الثقافة لاتحتاج لوزارة لأنها مناط الشعب وليست مناط الحكومة,وعندما نعمل للثقافة وزارة فلا بد من أننا سنسييس الثقافة, ومادمنا نعولب الثقافة ضمن الأطر الرسمية فقد لايندفع أهالي دمشق كما يشتهي الكاتب وكما أتمنى أنا القارىء, فياليتنا نشهد ندوات مفتوحة يديرها الناس في الملاعب والشوارع فيلقون بالأسئلة وعلى الضيوف الإجابة من دون حاجز رسمي, وكما تعرضت الدراما السورية للممانعة هذا الموسم فقد تتعرض الثقافة العربية والإسلامية المنطلقة من دمشق العروبة لممانعة أو لمقاطعة أيضا, فالغول الأمريكي المسيطر على الحواس العربية لايشتغل ضدنا في العسكر والسياسة والإعلام فقط بل يبرمج هجمة شرسة ضد ثقافتنا وأعرافنا وتقاليدنا.

بروفيسور محمد البخاري |  bukhari@mail.ru | 07/10/2007 05:30

أستاذ برهان أنت محق والقانون رقم 7 ينص على أن محو الأمية هو واجب جماعي يقع على كاهل جميع الجهات ولم تزل في ذاكرتي تلك الفترة التي كنت أعمل خلالها مشرفاً لمحو الأمية بمحافظة مدينة دمشق ومشاركة كل الجهات الرسمية والشعبية باخلاص في الجهود التي كان يقودها المجلس الأعلى لمحو الأمية برئاسة رئيس مجلس الوزراء آنذاك والصلاحيات والمسؤوليات المناطة بوزارة الثقافة والأجهزة الحكومية والشعبية لمحو الأمية آنذاك وهي نفس الفترة التي تناولت أنت فيها المشكلة بسلسلة مقالات نشرتها حينها صحيفة البعث وأحدثت أثراً بالغاً بمديرية محو الأمية ووزارة الثقافة بالكامل وخاصة بالسيدة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك. وأعتقد أن إلقاء اللوم على وزارة الثقافة فقط هو إجحاف بجهودها المشكورة وأن اللوم يجب أن يقع على الجميع وقبل كل شيء على تلك الظروف المعروفة المسببة للتسرب من مدارس المرحلة الإبتدائية وأعتقد أنك توافقني على ذلك أما دمشق عاصمة الثقافة العربية فهي الشام وشام شريف كما هي معروفة في أوزبكستان وتذكر بكل حب واحترام في الأوساط الثقافية الأوزبكية التي لم تزل تحيرهم حتى الآن أسباب فتور العلاقات معها منذ تسعينات القرن الماضي وهي العلاقات التي يتذكرها مئات منهم عملو في شام شريف خلال السبعينات ... وسأعبر عن حبي لها بالعمل على أن تصدر الجامعة التي أعمل فيها حالياً وأنت زرتها آنذاك كتاباً عن الشام سورية بهذه المناسبة الغالية

ابو كرم |  aphamia70@yahoo.com | 08/10/2007 00:47

احمد الله كثيرا لاني اهتديت اليك ثانية استاذ برهان - فقد كنت من متابعي زاويتك الاسبوعية آفاق في جريدة تشرين في تسعينيات القرن الماضي - ولكن بسبب ظروف السفر والغربة انقطعت عن متابعة اخبارك ومقالاتك - وكم كانت سعادتي كبيرة حين وجدت زاويتك الاسبوعية في جريدة الثورة فعدت وقرات ما كتبت خلال الفترة الماضية - احاول جمع كل ما تكتب لدي لكن ينقصني الكثير فهل من سبيل لتعويض ما فاتني - مع تحياتي وتقديري الكبير لكم .

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 برهان بخاري
برهان بخاري

القراءات: 1414
القراءات: 1325
القراءات: 1771
القراءات: 3124
القراءات: 3201
القراءات: 2223
القراءات: 2017
القراءات: 1280
القراءات: 2312
القراءات: 1687
القراءات: 1688
القراءات: 1597
القراءات: 1469
القراءات: 1624
القراءات: 1331
القراءات: 1365
القراءات: 1573
القراءات: 1557
القراءات: 1610
القراءات: 1359
القراءات: 2459
القراءات: 1443
القراءات: 1353
القراءات: 1555
القراءات: 1848

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية