ولمحت في يده ورقة خُطط عليها طرقات وزواريب هي بالتأكيد توضح له مكان بيتنا..
قلت:
- في الشرطة.. ماذا يفعل هناك؟!
لقد حطم أدوات مطعم في الحجاز وضرب أصحابه..
- حسان؟! حسان لا يضرب، يتحايل ويأخذ ما يريد..
لم يستسغ الرجل الواقف ببابي هذا الحوار.. فغادرني وهو يقول متأففاً:
ما دخلني...
بدأت أحسبها.. أذهب إليه أم لا.. طالما حطم فسيدفع.. يجب أن يكون هناك من يدفع؟! لكن.. حسان قبض اليوم 180 ليرة.. وكانت في جيبه عندما ذهب إلى المطعم.. وقد دعاني.. ولم أذهب معه لتناول الغداء على حسابه رغم أنه وعدني بفروج كامل..
بصراحة أنا أخافه.. أجده مرحاً.. ذكياً.. ماهراً في اجتراح الحيل لتدبير شؤونه.. لكنه يحب حياة البيكوات، ولم يقترب من البيكوية في حياته، هو أو أحد من عائلته.. إنما يتشبه بهم عندما تتيح له الفرصة لاقتناء مبلغ من المال أجراً لعمل عمله أو حيلة نصب بها على أحد..
تحاشيت مأزق أن أدفع قيمة ما قالوا إنه حطمه في المطعم.. دفع هو.. وأرسل بطلبي كي أكفله.. لأن المساعد في المخفر رفض إطلاق سراحه مالم يكفله أحد..
- هل تكفله؟!
أكفله على ماذا؟
- ألا يعيدها..!
ما هي التي لا يعيدها؟!
تدخل حسان وقال: اكفلني وسأروي لك الحكاية سننشرها في الجريدة؟!
- أي كفالة.. وأي حكاية.. وأي جريدة؟!
كفلته وخرجنا يروي لي بمنتهى الحماسة الحكاية التي يجب برأيه أن ننشرها في الجريدة..
هو دخل إلي المطعم وأخذ فوراً جلسة البيكوات.. نادى على خادم المطعم وأمر بفروج مشوي.. وأعطاه ربع ليرة «بخشيش» مسبقاً.. وذهب يغسل يديه- ألم أقل لكم عنده عقدة البيكوات- وعندما عاد كان أصحاب المطعم قد أحضروا الفروج ووضعوه على الطاولة.. وريثما يهمّ بالجلوس قفز قط- أعوذ بالله- وسحب الفروج ومضى به لا يلوي على شيء: تبعه حسان وهو يصرخ: بست.. بست.. لكن ما من أحد يسمع..
عاد إلى طاولته.. ونادى أصحاب المطعم، طالب ببديل عن فروجه المفقود.. تصايحوا ثم قرر أصحاب المطعم أن يقدموا البديل.. لكن حسان رفض.. فبرأيه إن المطعم يربي مجموعة من القطط تقوم بالسطو على فراريج الزبائن وتسلمها إلى أصحاب المطعم الذين يعيدون تقديمها إلى زبائن آخرين وهكذا.. وهي حكاية لقطة برأيه للجريدة..
عندما رفضت فكرة الجريدة.. اتهمني بالتواطؤ والجبن والخجل..
قلت:
- الخجل فقط.. أما البقية فلا.. أنا أخجل من سلوكك.. رغم إعجابي بك..
ما علاقتك بسلوكي ولماذا يخجلك؟!
- عندما تنصب أمامي على الناس، أخجل.
أنا لا أنصب على أحد.. أسير في طريقي ولا أكره أحداً..
- أعرف أنك لا تكره.. لكن.. تدبر مكيدة دون كراهية.. يعني مكيدة حبية..
مثل ماذا؟.. «علا صوته».
- مثل ذاك الأميركي الذي قايضته بالمايوه المشوه الذي اشتريته من البالة بليرة ونصف على المايوه الأميركي المتميز الذي كان يرتديه وقبضت منه 20 دولاراً زيادة.
يا سلام.. يعني حضرتك خايف أن تخسر أميركا من تجارتها معنا؟!
- لا يا حسان... ما هكذا قصدي.. لكن أنت غششت.. وقلت له إن المايوه من قماش غريب وأنه قطعة نفيسة.. وكنت كرهته من أول مرة لبسته لأنه عندما يغط في الماء يلصق ولا يبقى له ستر لعورة.. وكلما خرج من الماء تخرج جيوبه مقلوبة.
هو رآه واشتراه.. مادخلك أنت؟
- أنا بصراحة خجلت أنك لم تمهله أن يصل المشالح بل فرضت عليه المبادلة خلف الحائط..
هو خاف أن أهرب وألغي الصفقة.
استرسلنا في حديث طويل، وكان بين فترة وأخرى يشتم بصوت عال أميركا التي - برأيه- أدافع عن خسارتها معه في التجارة.
الزمن بُعيد حرب 1967.. وكل العالم تكره أميركا.. تلك اللحظة خفت أن يتهمني حسان بصوت عال أنني جاسوس لأميركا.. فتعمدت أن أرطب الجو.. وألجأ إلى تحسين العلاقات.
قلت:
- حسان.. يكفي إلى هنا.. الجماعة أعطوك فروجاً عوضاً من فروجك.. ولم يكن من مبرر أن «تطبش» إبريقين ثلاثة فتودي بها هذا غير الصحون..
لكن نشرها في الجريدة ضروري جداً.. يجب أن نحذر الناس من هذا النصاب.
دفعني خوفي منه إلى أن أعده بشرفي بنشر القصة في الجريدة.. وها أنا أفي بالوعد..
قالت علا:
لا تقل شيئاً.. لا تذكر حبنا لأحد.. احذر..
قال علاء:
بودي أن أصرخ فأملأ الدنيا.. إنني أحبكِ..
عندها لا تكون الحكاية لنا..
- إنها لنا..
عدني ألا تذكرها لأحد..
وعدها.. أيضاً وفى بوعده.. لكن.. من الذي أعلم الجبال والوديان والقلاع والهضاب وغابات الكستناء وأشجار الحور والقطلب ونبات القبار.. وشاطىء البحر..
كيف عرفوا..؟!