والقيام بعمليات بيع وشراء الدولار والعملات الأجنبية الأخرى بالسوق السوداء جاءت في مكانها المناسب، وأثارت الكثير من الارتياح في الأوساط المصرفية وحتى في مساحات واسعة من الأوساط الشعبية، ولاسيما بعد انتشار خبر إحدى شركات الصرافة التي تمّ ضبطها متلبسة وهي تقوم بالتلاعب بالليرة السورية عبر البيع والشراء في السوق السوداء وإرسال حوالات خارجية وداخلية كبيرة..!!
في الحقيقة لا يعرف الواحد منّا ما الذي يمكن أن يقوله في مثل هذه الحالات ونحن في هذا الوطن العظيم الشامخ والجميل الذي تكالبت عليه الوحوش من أربع جهات الأرض لتهشّمه وتنهش فيه وتحاول أن تُقزّمه وتذلّه، وتجعله وطناً قميئاً بشعاً، وفوق هذا كله يأتي هؤلاء هنا من الدّاخل وبمنتهى اللامسؤولية واللاوطنية ليساعدوا تلك الوحوش - عن قصد أو عن غير قصد - لتحقيق أهدافها الدنيئة الحاقدة ..؟!!
والمصيبة هي أن مثل هذه الخطيئة ترتقي هنا إلى مستوى الفظاعة والجريمة التي لا تُغتفر باعتبارها صادرة عن شركة من المفترض أن تكون عوناً للدولة وللوطن كله من خلال مساهمتها بكل قواها للحدّ من شذوذ ظاهرة الاتجار بالعملات والمضاربة بالعملة الوطنية، فالدولة استجمعت كل ما عندها من إمكانيات لتمنح شركات الصرافة سبل القدرة على انطلاقة قوية تُمكّنها في أسوأ الأحوال من ممارسة نشاطها براحة وحرية مسؤولة، أي ضمن قوانين ناظمة وعادلة، بما يضمن تأمين رزقٍ كريم ونظيف لها ولجميع العاملين فيها، ومن جانب آخر احتضن الوطن هذه الشركات وبرحابة صدره الواسعة كي تعيش بكرامتها عبر تقديمها الخدمات للناس أيضاً، ولكنه الطمع القذر الملوّث للنفوس وخلايا العقول، العمل على إلغاء منطق القناعة على حساب منطق الجشع، لتثبت لنفسها مثل هذه الشركات المخالفة أن ما فعلته غباء مفرط.. ولكن بعد فوات الأوان.
على كل حال نحن متفائلون بأن الضربة التي وجهتها وزارة الداخلية بالتنسيق مع المركزي لهذه الشركة التي أظهرت التحقيقات حتى الآن أنها تلاعبت بما قيمته مئات الملايين من الليرات بالقطع الأجنبي وبالقطع السوري معاً إذ كانت هذه العملات مودعة بأسماء تجار من السوق السوداء مع إخفاء مصدرها من قبل مودعيها، وهذا الأمر سرعان ما أثار الاشتباه لدى الداخلية والمركزي بأن مثل هذه العمليات تنضوي في إطار غسل الأموال .
ما نأمله أن لاتتوقف مثل هذه الحملات عند هذا الحد، فالشذوذ الذي تحدثه السوق السوداء في أسعار الصرف يُشكّل بيئة خصبة لنمو وتكاثر رواد هذه السوق من ذوي النفوس الضعيفة، وقد أثبتت الأحداث الدائرة في سورية وبكل أسف أن أصحاب هذه النفوس ليسوا بالقلة القليلة، وفي الفترة الأخيرة تكاثروا فعلاً، حتى صاروا يتجولون في الشوارع بكل ثقة وارتياح، لدرجة أنهم لا يجدون أي حرج بالتجول والترويج لبيع وشراء العملات في ساحة المرجة، في قلب العاصمة، والأنكى من ذلك إلى جانب مبنى وزارة الداخلية، حتى وإن كان المبنى القديم فإن ممارسة هذا العمل بكثرة هناك يشير إلى حجم التجرؤ الكبير الذي صار مشبعاً برؤوس هؤلاء على الدولة.
على كل حال من المثير للارتياح أن الداخلية تبدو متحمسة لمتابعة التنسيق مع المركزي من أجل ردع المتلاعبين بالعملات وتَعِدْ بتكثيف الحملات والدوريات على شركات ومكاتب الصرافة وقد هددت بعدم التهاون في ضبط المتلاعبين بالعملة في السوق السوداء وتوقيف المتعاملين بها وإحالتهم للقضاء المختص لمحاسبتهم وفقاً للقوانين والأنظمة.
إن هذا ما يأمله الكثيرون بالفعل، فقد بلغ السيل الزبى، وسئمنا من أولئك الذين يبيعون أنفسهم وحتى يحاولون بيع وطنهم من أجل أطماعهم وسوء تقديرهم، وهؤلاء إن نجحوا ببيع أنفسهم فبالتأكيد هم أكثر من عاجزين على بيع وطنهم مهما قدّموا له من الأذية، فأوطان المجد والعزة والجمال لم تكن يوماً معدّة للبيع .