كي يشبعوا من البرتقال والكرمنتينا, دون أي تكاليف منظورة, ودون أن يضطر أحدهم لمد يده إلى جيبه, فيجدها إما خاوية.. وإما سيضرب -إن تصرف برعونة وتورط بالشراء- موازنة بيته المحسوبة على القرش, ما قد يهدد تمويل أشياء عديدة, تطول حتى ربطة الخبز..!
منذ أيام.. رأى أحد الصغار أكواماً من صناديق الكرمنتينا عند أحد المحال التجارية, فقال لأبيه: أبي.. اشتر لنا كرمنتينا...
زجره أبوه.. وشده من يده.. وقال له بغضب وهو ينظر إلى تلك الصناديق بحرقة: ألا ترى بأنها حامضة?!
ولم تكن حامضة.. كانت حلوة جداً.. ولكن لا يستطيع المرء أن يتصرف فوق طاقته, وأكثر من قدرته.. فلا بد للكرمنتينا أن تكون حامضة دائماً..!.
على كل حال.. الأرجح أن هذا الأب لم يكن مجرد بخيل على ولده, فإن بخل عليه, فلن يبخل على نفسه هو أيضاً, فملامح الشوق كانت واضحة عليه, تضج بأمنياته الرامية إلى تناول شيء مما يطلبه ولده.. غير أنها القدرة الشرائية المحدودة, التي لا تدع مجالاً لمثل هذه الرفاهية..!.
هذا النموذج الواقعي غير معمم بكل الأحوال, فهناك نماذج تقنع نفسها أن في الكرمنتينا عرق حلاوة, ونماذج تعتبرها حلوة.. وأخرى تتفنن بالاختيار, غير أن السمعة الغالبة في بلادنا: هي ضعف القدرة الشرائية فعلاً, ولهذا فإن منتجي الحمضيات, ليسوا قادرين على أن يعولوا كثيراً على السوق الداخلية, طبعاً هناك تسويق في الداخل, ولكن يبقى أقل بكثير من حجم الإنتاج الضخم الذي يعرضه المنتجون.
ها هو موسم الحمضيات لهذا العام أيضاً, والوضع على ما هو عليه, عرض كبير, وطلب ضئيل.. وككل عام.. لا مجال لتلافي هذه المشكلة, سوى بالتصدير إلى الخارج, أو العمل على تصنيع الإنتاج.. ويبدو أن البرتقال المنتشر في سورية لا يصلح للتصنيع.
يبقى الحل الأنسب والأكثر جدوى هو الاتجاه نحو التصدير, ولكن كيف?
هي معزوفة نطلقها منذ نحو خمسة عشر عاماً, ولم نستطع خلال سنوات الأداء لهذه المعزوفة أن نجد حلاً فعالاً لمشكلة تصدير الحمضيات, فلا هيئة تهتم بشؤون البحث في الأسواق الخارجية عن مدى احتياجها واستيعابها للحمضيات السورية, ولا صندوق لدعم الصادرات, ولا شركات تصدير أو تسهيلات خاصة لها, تحفزها على اعتناق هذا الكار..!.
تأتي أنهار الحمضيات.. ليهدر الكثير منها, ويحرم الكثير منها, ونحن لا نزال كما نحن, يحلو لنا الحديث عن الداء, ونتوه عن الدواء..!.