ولأننا لسنا اعداء للديمقراطية ولا للديمقراطيين, بل نحن انصارها وطلابها, فإننا نخشى عليها استزراعها في البيت البلاستيكي, حيث الموت السريري مؤجل بشروط المختبر لا بشروط الحقل.
تجربتان لتصنيع الديمقراطية على طريقة (مكدونالد) للوجبات السريعة, يدعونا الرئيس جورج بوش لتمثلهما او حتى التهام إحداها :
الاولى في لبنان, قديمة, مهترئة, عجزت فيها دهور الطوائف والملل والاقطاع السياسي والحروب الاهلية, فحزب للعائلة وآخر للطائفة وثالث للملة, لكن, ليس ثمة حزب للوطن فلم تنتج إلا ديكتاتوريات محلية من الطينة ذاتها, تلهج بالديمقراطية ولا تعيها.
والثانية, جديدها فقط الاوراق والصناديق والاصابع الملونة بالحبر, وقديمها مزمن مقيم في بيدر القسمة على الطوائف والاعراق وشظايا الجغرافيا, حقل ألغام يتجول فيه موت أعمى وحرية بكماء.
على هاتين التجربتين واشتقاقاتهما المفخخة في كل زمان ومكان, ابتنى الرئيس بوش لنفسه وإدارته استراتيجية النصر في العراق, التي أعلنها مؤخرا وربطها بآخر دفعة من الصناديق المثقوبة واوراقها وحبرها, ثم لايتردد في دعوتنا للاقتداء والتمثل.
يعرف الرئيس بوش كيف تورد إبل الديمقراطية, ونعرف نحن انه لايسعى الى هذا, لكن العلة ليست فيه ولا في الديمقراطية, بل في كرنفالها الذي جاء في غير موعده, وفي الراقصين والمهرجين الذين بدل أن يضحكوا أبكوا?
العلة فيمن لم يدرك بعد, إن الديمقراطية وعي أولاً, وثقافة ثانياً, وتراث من الممارسة والخبرة ثالثاً, ثم هي نظام سياسي رابعاً, وان الصناديق والاوراق والأحبار هي لترجمة الديمقراطية الى أرقام وحسابات, وليس لصناعتها أفكاراً وممارسة, وان الديمقراطيين الحقيقيين هم الذين يقدمون مكونات الديمقراطية وليس أصنامها.
تابعوا محطات التلفزة اللبنانية ) الديمقراطية ), وستكتشفون كماً كبيراً من راقصي الكرنفال الاميركي ومهرجيه, بعضهم يقدم الاجوبة لضيوفه ثم يسأل, وبعضهم الآخر يقدم الصعاليك في جلابيب الرموز والقادة, وبعضهم الثالث يصف الانظمة العربية بالتخلف والفردية وهو ابن القبيلة والطائفة. جوقة من المنافقين في عزاء, يهبون بكاء ونحيباً وسباً وشتماً كلما حضر معز جديد, ثم لايلبثون يتشاغلون ببعضهم دساً وافتراء وتحريضا.
ليس بالصناديق وحدها تعيش الديمقراطية!