في بيروت التقت ( الثورة) عددا من المحللين السياسيين ورجال الفكر وكانت هذه المواقف:
توفيق شومان ( محلل سياسي):
اعتقد أن هذه الزيارة تؤكد على محورية الدور السوري اقليميا ودوليا, وهنا يمكن ملاحظة الاهتمام الواسع بهذه الزيارة على المستويين الاقليمي والدولي.
إن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى روسيا جاءت في لحظة انعطاف اقليمية أعادت التأكيد على أنه لا يمكن تجاهل سورية في السياسات التي يمكن أن يرسمها الغير.
أما على المستوى الاقتصادي فقد أكد تجاوب موسكو مع دمشق لجهة شطب قسم كبير من الديون على سورية, ومن هنا جاءت اتفاقيات الغاز والنفط لتشير إلى حرص الطرف الروسي على بناء علاقة مستقبلية متينة مع سورية, وفي الأمر ذاته أيضا ولكن على المستوى السياسي بدا أن الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في المنطقة من خلال دعوة دمشق لها بأن تلعب دورا أكبر في الشرق الأوسط مع امكانية احياء أو تفعيل العلاقات المميزة بين الطرفين السوري والروسي.
فضلا عن ذلك فإن تقاطع المواقف بين روسيا وسورية حول مواقف اقليمية -من ضمنها العراق وعملية السلام, تشيران إلى أن السياسة الخارجية السورية تتوافق مع سياسات مقبولة ومنطقية وتلقى صدى ايجابيا في عاصمة كبرى مثل موسكو.
امين مصطفى ( محلل سياسي):
تعتبر زيارة الرئيس بشار الأسد إلى روسيا في توقيتها حدثا بحد ذاته, حيث تزداد اوضاع المنطقة سخونة من خلال التصعيد الذي تشهده في غير بقعة عربية وتحديدا في العراق وفلسطين في محاولة اميركية- صهيونية للهيمنة والسيطرة والابتزاز.
حملت الزيارة في بعدها السياسي, مغزى مهما, لجهة تعزيز العلاقات العربية الروسية, التي تشهد ركودا في السنوات الأخيرة, بعد تفكك الاتحاد السوفييتي, وفي ذلك رسالة واضحة إلى اشراك روسيا في لعب دور مهم على صعيد ارساء قواعد السلام في المنطقة, وعدم ابقاء الأمر رهن القرار الأميركي الأحادي, وهذا ما أثار حفيظة واشنطن وإسرائيل على حد سواء, لأنهما حاولا التفرد وإبعاد أي قوة دولية اخرى من أن يكون لها نفوذ مؤثر في مسار إحداث الشرق الأوسط, وقد حاولت إسرائيل استباق هذه الزيارة من خلال اثارة غبار صفقة الصواريخ, إلا أن ذلك لم يؤثر في أن تعلن موسكو استمرار التعاون في الإطار العسكري والتقني, وهذا شيء مهم لكسر الحصار الذي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها فرضه على دمشق, وإضافة إلى ما حققته الزيارة من شطب جزء كبير من الديون المستحقة على سورية وتوقيع اتفاقات تجارية واقتصادية فإن هذه الزيارة أكدت عمق العلاقات الاستراتيجية بين حلفاء الأمس وأوجدت توازنا في علاقات البلدين دوليا واقليميا, واوضحت أن روسيا ما زالت لاعبا مهما في سياق الأحداث من خلال بوابة دمشق.
وسوف نلمس مفاعيل الزيارة وانعكاساتها على الأرض خلال الشهور أو السنوات القليلة القادمة, ليس على صعيد بناء جسور الثقة وتمتينها وبين موسكو ودمشق فحسب, بل على صعيد اعادة ترتيب اوراق المنطقة برمتها, الأمر الذي يعطي سورية مكانة مميزة.
حبيب غانم ( باحث):
كانت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا مهمة, كما وصفها الرئيس في أكثر من محطة, وكما تنظر إليها الأوساط السياسية العربية والدولية, التي تابعت بكل اهتمام مجريات هذه الزيارة التاريخية, إن لجهة التوقيت أو لجهة النتائج والأبعاد, فالتقدير الروسي للموقف السوري والمبادرات التي اتخذتها موسكو تجاه سورية من اعفاء نسبة كبيرة للديون ومن تأييد للمواقف السورية, ومن التأكيد على الرؤية الواضحة تماما لقضايا الشرق الأوسط, هذه الرؤية الروسية التي تميل إلى الموقف العربي بشكل عام كما أكد المسؤولون الروس للرئيس الأسد, حيث إن هذا التطابق في المواقف الروسية ناتج عن منهجية وتصميم ورؤية مستقبلية لما يحصل في الشرق الأوسط, من تطورات تتابعها روسيا لأكثر من سبب, وبهذا المعنى فإن زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا كانت تاريخية لا لأنها تجدد العلاقة مع الدولة التي كانت مع اميركا راعية للتسوية, ولا لأنها إحدى دول اللجنة الرباعية وحسب, وإنما لأن روسيا لم تغير المواقف التي كانت معتمدة من قبل الاتحاد السوفييتي السابق على قاعدة الاستمرار, وأهمية هذه الزيارة في كونها تعيد التوازن السياسي إلى وضعه الطبيعي وتضع حدا للانفراد الاميركي من خلال دعوة الرئيس الأسد للجانب الروسي إلى استعادة دوره في المنطقة وفي العالم, ولهذا اعتبرت الزيارة, زيارة دولة, كونها من ارفع الزيارات الرسمية في الاعراف الدولية.
خصوصا وأن المباحثات بين الجانبين السوري والروسي أظهرت وجود توافقات اساسية في السياسة كما في المواقف على المستوى الدولي وعلى المستوى الاقليمي, كما في التطابق من القضية الفلسطينية ومن الوضع في العراق, ولقد كانت المواقف التي اتخذتها روسيا في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن ازاء العديد من المواضيع التي تعني العرب بشكل عام, مطابقة لمواقف الرئيس الأسد الذي قال :إن روسيا تطورت ولم تتغير.
اذ بدا أن ما تخلل المباحثات تجاوز ما كان قائما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي من حيث التركيز على المصالح والوقائع الدولية, وكما في كل مرة كان الرئيس بشار الأسد ناطقا باسم العرب, ولم يركز على العلاقات السورية- الروسية فحسب, ولهذا أيضا سقطت الادعاءات الإسرائيلية التي حاولت استباق الزيارة بحملة اكاذيب لم يلتفت اليها الجانب الروسي من موقع الثقة بالرئيس الأسد والتقدير لمواقفه الوطنية والقومية.
اسماعيل الأمين» محلل سياسي«:
اعتقد أن زيارة السيد الرئيس بشار الأسد, تأتي في إطار الجهد الاستراتيجي السوري لحماية المنطقة وتجنيبها الهيمنة الأميركية الراهنة في ظل ما يسمى احادية القطب التي تسود العالم اليوم.
وقد ادرك الرئيس الأسد الدور الروسي في المنطقة حيث قال:» إن روسيا تطورت ما تغيرت« وكان في ذلك يرد على الاعتقاد السائد لدى بعض الاستراتيجيين إن العلاقات السورية والروسية انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي.
في الواقع إن العلاقات الروسية مع دول المنطقة تعود إلى مرحلة سابقة على نشوء الاتحاد السوفييتي وما الجهد السوفييتي لبناء علاقات استراتيجية في المنطقة إلا تحقيقا للمصالح الروسية التاريخية منذ أيام القياصرة.
في هذا الإطار يمكن أن نفهم قول الرئيس الأسد: إن روسيا تطورت وبالتالي لا بد لها من تطوير علاقاتها بدول المنطقة ولعل سورية بعلاقاتها التاريخية مع موسكو تكون المجال الأفضل لتطوير هذه العلاقات.
وأهمية هذه الزيارة التي يمكن وصفها بالاستراتيجية, وبناء على فهم الرئيس الأسد للدور الروسي في أوروبا والمنطقة, جاء من الإعلام الإسرائيلي الذي شن حملة على سورية قبل بدء الزيارة في محاولة لوضع الزيارة أو حصرها في مجال التسلح فقط والحديث عن صواريخ متطورة, أما الحقيقة فإن الزيارة شملت مختلف مجالات التعاون بين موسكو ودمشق وخصوصا لجهة سبل إعادة احياء الدور الروسي الضروري في عملية السلام في المنطقة.