التي شكلت برئاسة شارون والمبررات والمصالح للأحزاب التي دخلت فيها وفي مقدمتها حزب العمل المنافس الرئيسي لليكود الحاكم إضافة الى الأحزاب الإسرائيلية الصغيرة الأخرى كشاس وهتوراه ويهوديت.
الأيام الأخيرة كشفت هذا اللغز والبعد السياسي والمصلحي إن جازت تسميته لكل حزب في أن يكون مشاركا في هذه الحكومة خاصة إذا كان لكل منه رؤى خاصة به لا تجمعه مع الآخرين على الأهداف المطروحة في ساحة العمل الداخلية بإسرائيل.
فشارون كان معنيا منذ البداية بل ومصرا على ضم حزب العمل إلى الائتلاف الجديد لتعزيز مكانته السياسية ودعم حكومته القادمة وبالتالي وضع حد لخصومه داخل حزب الليكود الذين تزايد عددهم في السنوات الأخيرة, إضافة الى أن شارون يريد من انضمام العمل ضرب مساعيه الهادفة الى توحيد ما يطلق عليه من قوى اليسار الإسرائيلي ضده وبالتالي تجميد تحركات بيريز في هذا المنحى باعتبار أنه صديق قديم لشارون وضعيف الشخصية أمامه.
كما أن شارون أراد ابعاد وزراء حزب شينوى بزعامة توميد لوبيد لقيام الأخير مرارا في مناورات تهدف الى فرض رأيه على شارون, لكن هذه الأخير رفض هذه المناورات ولكن السبب الرئيسي وراء اقصاء وزراء حزب شينوي الخمسة وفي مقدمتهم الوزير لوميد زعيم الحزب ووزير العدل السابق في حكومة شارون يعود الى أن الوزير لوميد يطارد ولدي شارون عومري وجلعاد المتهمين بالفساد خاصة وأن جلعاد متورط بثلاث قضايا فساد أهمها قضية الحصول على رشوى من المليونير اليهودي في جنوب أفريقيا سيريل كيرين والتي لم تنته فصولها بعد وما زالت في طور المناقشة والمتابعة, حتى أن الوزير السابق لوميد كان يبتز شارون بهذه القضية, إضافة الى أن الملاحقات القضائية كادت أن تمسه شخصيا, ولهذا يعمد شارون حاليا الى تمرير قانون في الكنيست الاسرائيلي يوفر الحصانة لرئيس الوزراء في اسرائيل أو نائبه من الملاحقات القضائية وهذا ما أسر بيريز أيضا وجعله متشوقا للانضمام الى تشكيلة شارون باعتبار أن بيريز متورط هو الآخر لكن بصورة غير مباشرة بفضيحة منحة سيريل كيرين المليونير اليهودي الجنوب إفريقي من خلال تسهيله مرور هذه المنحة من مليونير آخر وهو نمساوي ظل اسمه سريا في ملف هذه القضية..اضافة الى أن شمعون بيريز يلهث وراء المناصب ويقبل بأي منها, كما أن شارون معني بضم حزب العمل إليه لأن هذا الحزب يؤيده في خطة الانسحاب من غزة قالبا وروحا وهو لذلك -أي شارون -استطاع من وراء ضم حزب العمل لائتلافه الحكومي أن يسكت المعسكر المناهض له داخل حزبه أي الليكود وفي الوقت نفسه رجحت كفة حزب العمل بتأييد معظم أعضاء مركز الليكود.
كما أن شارون نجح في ترؤسه الائتلاف الحكومي الجديد وكسبه المعارضين له من خلال وعوده التي قطعها لهم وهي:
1-أن يحتفظ جميعهم بمناصبهم الوزارية التي كانوا يشغلونها ومن ضمنهم بنيامين نتنياهو/المالية/ /وليمور لفينات/العدل /وشالوم /الخارجية/.
2-الحفاظ على وحدة الليكود ومنع أي انقسام داخله والعمل على أرضاء اليمين الإسرائىلي وبخاصة الأحزاب الدينية منه وضم شاس إلى الائتلاف الجديد.
ولهذا رأى شارون أن التعامل مع حزب العمل أفضل من الأحزاب الدينية المتطرفة التي تسيىء الى سمعة اسرائيل بدعوتهم لمواقف تدينها الأطراف الدولية.
أما حزب العمل الاسرائىلي فله أيضا غايات من انضمامه للائتلاف برئاسة شارون ومن أبرزها: العودة الى ساحة الحكم بعد ابتعاد عنها لفترة طويلة نتيجة لانهزامه أمام شارون الى جانب تأييده للخطة بشأن الانسحاب من غزة وتمسكه بالسلطة الى جانب شارون حتى موعد الانتخابات القادمة, ومن خلال هذه المشاركة يرى بيريز أنه يستطيع وضع برنامج سياسي مقبول للجمهور الاسرائيلي يستطيع من خلاله الطعن بأداء الحكومة الحالية اضافة الى الحؤول دون استغلال الليكود للسلطة كما يرغب ويريد دون معارضة من الداخل.
كما أن بيريز يريد من هذه المشاركة في الائتلاف بدعمه شارون دب الخلافات داخل الليكود وهذا من صالح حزب العمل ومن أمنياته الخاصة, اضافة الى أن بيريز يرى من خلال تلك المشاركة مع شارون وضع حد للخلافات التي تسود أوساط حزب العمل والتنافس على زعامته لأن عدم الانضمام لهذه الحكومة يعني العودة الى اعادة ترتيب الأمور لاختيار قيادة جديدة لحزب العمل قد تبعده عن الحلبة السياسية نهائيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا قبل شمعون بيريز بمناصب وزارية غير مهمة في حكومة شارون وبمنصب مهم واحد هو القائم بأعمال شارون? والجواب على ذلك هو تأجيل أية انتخابات في حزب العمل فيما لو بقي خارج التشكيل الحكومي الجديد, وعدم افساح المجال أمام قدرة شارون على إعادة تشكيلة حكومة يمينية جديدة تضم أحزابا يمينية متطرفة وبالتالي استبعاد حزب العمل لأكبر فترة طويلة عن المسرح السياسي مما سيزيد فرص الاقتتال الداخلي فيه.
ولهذا نجد أن حكومة شارون استطاعت بتحالفها هذا أن تطوي تحت لوائها الكثير من العيوب والمصالح الخاصة لكل حزب مشارك فيها, لكن المستفيد الأول والأخير هو شارون الذي حظي بقاعدة برلمانية موسعة يدعمها 75 عضو كنيست من داخل الأحزاب المشاركة فيها اضافة الى 25 آخرين من أحزاب أخرى يؤيدون شارون في خطته الانسحاب من غزة وبالتالي يكون قد ضمن مائة صوت من أصل 120 عضوا عدد أعضاء الكنيست الاسرائيلي في دعم توجهاته السياسية القادمة على صعيد مساره العدواني ضد الشعب الفلسطيني أو في تشدده ورفضه لاستئناف مسار السلام مع سورية.
ويقول محللون اسرائيليون إن اللوحة الفسيفسائية الحالية لحكومة شارون ستساعد الأحزاب المشاركة فيها الى مواصلتها لسياسة التآمر ضد بعضها البعض داخل الكواليس لإضعاف بعضها أو الحصول على مكاسب سياسية على حساب الآخر, كما سيعطي هذا التشكيل الحزبي في الائتلاف الحكومي الحالي دفعة قوية للأحزاب التي خارجه ولا سيما منها حزب شينوي الذي يشن اليوم حملة انتقاد وتشهير واسعتين حيال مواقف حزب العمل لمشاركته في هذا الائتلاف, وقد ذهب حزب شينوي الى اتهام حزب العمل بطعنه من خلال دعمه لشارون وعدم الحفاظ على وحدة ومسار ما يسمى باليسار الاسرائيلي وتوجهاته لاقالة شارون وإبعاده عن المسرح السياسي.
لكن الشيء الوحيد الجوهري الذي يجب أن نعرفه هو أن جميع الأحزاب الإسرائيلية داخل الائتلاف الجديد أو خارجه تعمل دائما على الحفاظ على مصلحة اسرائىل أولا وأخيرا مهما كانت خلافاتها العقائدية الآنية أو المرحلية, وقد تحصل نتيجة هذه الحقيقة على مكافأة كبيرة من العالم بالرغم من اللبوس العدواني لتلك الحقيقة التي ينخدع بها القريب والبعيد من أن اسرائيل هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط على حد قول الرئيس الأميركي جورج بوش في حين أنها في الحقيقة هي الأكثر خطرا على الأمن والسلام العالميين على حد اجماع الأوروبيين في أحدث استطلاع لهم.