وتندرج في هذا الإطار أحداث المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط, وتكاد تتركز حول مسألتين كبيرتين هما: مستقبل العراق, ومصير قضية فلسطين, فضلاً عن مسائل متواترة بلا توقف مثل الأمن في الشرق الأوسط وسبل مكافحة الارهاب,فهل سيحمل العام الجديد 2005 تطورات لافتة اقليمياً ودولياً?
بلا شك, ستبقى الحرب على العراق أو حرب الخليج الثالثة, من أبرز أحداث العام الماضي ,2004 إنها الهدف الكبير الذي تجمعت حوله مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين واليابان والدول العربية, و(اسرائيل« وتركيا وايران..كل من خلفية اقتصادية وسياسية وأمنية, فيما ظلت الأمم المتحدة تبحث عن دور مفقود, ثم محدود!.
ومن أبرز نتائج هذه الحرب, فوضى أمنية عارمة, وتخبط سياسي داخل العراق, وداخل الادارة الأميركية وفي المنطقة عموما?ً, فالقرار الدولي الذي اتخذه مجلس الأمن رقم ,1511 لم يفض بعد الى تشكيل قوة متعددة الجنسية تابعة للأمم المتحدة, ذلك لأن دور المنظمة الدولية بقي غامضاً أومستبعداً,فآثرت دول عدة عدم المشاركة والتزمت جانب الحذر والترقب, هذا بينما تتدارس القوى العراقية كافة خياري السيادة والديمقراطية, وأيهما يسبق الآخر? كان من المفترض أن تقتنع الادارة الأميركية بأن الخروج من المأزق العراقي يكمن في تمكين الأمم المتحدة من لعب دور مركزي في أمرة القوات العسكرية, ناهيك عن جهود الإغاثة والمعونات الدولية..ولا بأس في أن تعمل القوى العراقية من أجل الديمقراطية والسيادة في آن معاً, إنهما مترابطتان ومتداخلتان وتأتي الأجندة الأميركية الجديدة ضمن سياق بحث الأميركيين عن مخرج لمأزق قواتهم ولكن على نحو غير مباشر وتأتي أيضاً نتيجة لتلقي القوات الأميركية ضربات شديدة ومؤذية من جانب المقاومة العراقية, خصوصاً بعد أن أخذت هذه الضربات منحى مختلفاً عن السابق من حيث الدقة والشكل والهدف, ولعل ضرباتها للطائرات المروحية دليل واضح على حصول هذا التغير المهم في استراتيجية هذه المقاومة, لكن وإن تكن الحجة الأميركية ودوافعها مسجلة في أجندتها الأخيرة عن العراق, فإن هناك أسباباً عديدة كانت وراء ذلك أهمها:
1- هروب الأميركيين من الافصاح عن خطتهم لمستقبل العراق ونوع وشكل الحكم فيه.
2- التباطؤ في توسيع دائرة صلاحيات مجلس الحكم, الأمر الذي كان يعرقل ادارة مجلس الحكم للسلطة المدنية في العراق وانتزاعها من الأميركيين.
3- الغموض والتناقض في شكل واسلوب التعاطي مع القوى والفعاليات العراقية.
4- السيادة العراقية ومدة بقاء قوات التحالف في العراق وإنهاء احتلاله.
دفعت هذه النقاط الأميركيين أخيراً لطرح أجندتهم في محاولة منهم للالتفاف سياسياً على ما يجري عملياً على الأرض, لكن ما لم تدركه قوات الاحتلال في العراق أن هناك عدة عوامل حقيقية تقف حجر عثرة أمام نجاح هذه الروزنامة, فالمتابع للوضع يدرك أنه مهما حاول الأميركيون القيام باجراءات ترقيعية, فإنهم لن يستطيعوا مطابقة ما على الورق بالواقع, ولن يمكنهم من ضبط الواقع بسهولة, إن ضبط الوضع العراقي أولاً وأخيراً مرهون بمشاركة كل العراقيين عبر إفساح المجال أمام فعالياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمختلف ألوانها ومشاربها, ويتطلب من الأميركيين دقة وحرصاً كبيرين في مراعاة كل العراقيين في الساحة الاجتماعية التي ما زالت محتفظة بأعراف وتقاليد تتعارض مع الاطروحات الجديدة للسياسة الأميركية فضلاً عن أن جميع الأجندات الأميركية تعمدت تغييبهم, فمجلس الحكم الذي أسسته الادارة المدنية في العراق تحول بالتدريج الى مجلس استشاري لهذه الادارة وتوقف دوره الفعلي عند حدود الموافقات الأميركية.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية, التي ترتبط في مسارها ومصيرها بالملف العراقي, تراجعت )خارطة الطريق( بالتزامن مع تراجع دور اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة, روسيا, الاتحاد الأوروبي, الأمم المتحدة) التي وضعت هذه الخارطة وتكفي الاشارة الى أن المراحل الزمنية لم تحترمها )اسرائيل«.
غير أن هذه التداعيات لا تحجب حقيقة أن الانتفاضة أثقلت كاهل الاقتصاد الاسرائيلي, وكشفت توسعية حكومة شارون وارهاب الدولة الاسرائيلية أمام العالم , فبتنا نلاحظ اعتبار )اسرائيل( دولة معادية للسلام العالمي, أو مهددة له, كما أشارت استطلاعات الرأي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.وهذا معطى مهم وجدير بالملاحظة والاعتبار, ويدرك شارون مأزقه ويحاول التخلص منه عن طريق تقديم وعود جزئية وغائمة الى الفلسطينيين, وتعميق الهوة بينهم وبين أميركا, والضغط على أوروبا وإثارة ذكريات المحرقة فيها, واللعب قبل هذا وذاك بورقة العداء للسامية وتوسيع دائرة التوتر والأزمة في البلدان المجاورة لفلسطين, واستغلاله ورطة أميركا في العراق وغيره.
ما يؤسف له أن تبقى ردود الأفعال العربية أسيرة الخلافات والاختلافات, فلا تفاعل حقيقياً مع الرأي العام الغربي, ولا موقفاً حاسماً من مسألة التطبيع مع )اسرائيل«, على عكس ما أشارت إليه القمم العربية واجتماعات جامعة الدول العربية, لقد أسقط العرب من يدهم ورقة فاعلة هي امكانية مطاردة شارون في المحافل الدولية, بينما استمرت الضغوط على الفلسطينيين حتى يتخلوا عن )ارهابهم« المزعوم وكأن )اسرائيل« لا تمثل الاحتلال.
إن الذين شددوا على عدم جدوى وجود نظام اقليمي عربي يدركون اليوم بالتجربة المرّة مدى الحاجة الى هكذا نظام, بيد أن هذا النظام لن ينشأ ويستمر إلا على قواعد مؤسسيه بعيداً عن سياسات الارتجال والكيدية ودفن الرؤوس في الرمال.
هل هي مفارقة, والحال هذه, أن يمر الن¯ظام العالمي في حالة فوضى عارمة? بتعبير أدق, ثمة فوضى دولية غير مسبوقة في الأمن والسياسة والاقتصاد والاجتماع وحماية البيئة..فالتركيز المصطنع على الارهاب, دون تحديد مضمون سياسي لهذا المصطلح تمهيداً لتحديد إطار قانوني, يضيع جهوداً عالمية كانت قادرة على الفعل الايجابي, فعل يتمثل في حماية حقوق الانسان, والدفاع عن الدول والشعوب في مواجهة الكوارث الطبيعية التي صارت المهدد الأول للسلم والأمن الدوليين , فعل يتجه لمكافحة الفقر والتهميش الاجتماعي والسياسي الذي يلف عالم الجنوب وبعض مناطق عالم الشمال, فعل في تكريس حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بعيداً عن العنصرية الصهيونية والاسرائيلية..أما إذا غاب هذا الفعل الايجابي في السنة الجديدة, فإن الفوضى العارمة ستتسع عالمياً, وفي هذه الحال لن تنجو من آثارها السلبية قيادة النظام العالمي وقواه الكبرى.