تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جون افريك : الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وصراع الإرادات ..!

ترجمة
الأربعاء 2/2/ 2005م
بقلم : باتريك سيل (ترجمة : دلال ابراهيم )

رأى العديد من الزعماء السياسيين,والمعلقين, في فوز محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية , خلال الانتخابات التي جرت في التاسع من كانون الثاني (انتصارا للسلام ).

ولاشك ان هذا الرأي ينطوي على كثير من التفاؤل , لأن هذه الانتخابات افرزت فقط فوز شخصية فلسطينية امامها مواجهة مع ارئيل شارون في صراع ندعوه »صراع الارادات « ,وقد بدأت اشاراته تلوح في الافق. وهذا الصراع سيكون على الارجح قاسيا بمقدار ما سيكون غنيا بالضربات المفاجئة الملتفة , اكثر من اي صراع جرى في تاريخ الحرب الاسرائيلية - الفلسطينية.ومثل مصارعي السومو, يراقب كل من محمود عباس وارئيل شارون بعضهما البعض قبل المواجهة , تلك التي ستكون اقوى صراعا في تاريخهما المهني .‏

وقبيل الدخول الى الحلبة, بإمكانهما تبادل المجاملات والدعايات والتحدث بالهاتف, وحتى تنظيم لقاء , وتمرير بعض الاتفاقيات , لانه, ولغاية الحين, تعتبر اهدافهما غير متعارضة , ولكن وعلى المدى الطويل, فهي متعارضة كليا. وفي تلك المواجهة, سيكون صراع الموت, واحدا لا يمكنه معرفة الفائز وبالطبع, الجميع يعرف الاهداف القريبة لرئيس حكومة اسرائيل , وتتلخص في هدفين تم الافصاح عنهما, فهو يريد في بداية الامر وضع حد للهجمات الفلسطينية ضد الاسرائيليين وكذلك وقف صواريخ القسام, التي كان لها وقع بسيكولوجي وسياسي الى جانب الخسائر المحدودة التي خلفتها, في اسرائيل ولاسيما وانها مست سمعة شارون »كسيد الامن« كما دعوه في اسرائيل,كما واثرت على معنويات الاسرائيليين , وقللت من ادعاءات اسرائيل بأنها القوة العظمى في الشرق الاوسط. ولم تعد محتملة تلك الضربات في نظر شارون .‏

ورغم عدم تردده في استخدام كافة اسلحة الدمار, والقمع مثل عمليات الاغتيال المستهدفة,وهدم المنازل وتخريب الحقول, والتوقيفات الجماعية والاجتياحات العسكرية, منع التجول , تفتيش المنازل, وحواجز امنية..الخ, فشل شارون ولاربع سنوات خلت في فرض تنازلات على الفلسطينيين .‏

وفي حقيقة الامر, اعرب غالبية الفلسطينيين المحبطين عن تمسكهم في خيار المقاومة حتى ولو كلفهم الثمن حياتهم.‏

وبالتالي, فإن شارون على استعداد حاليا لاجراء »تعاون امني« مع القيادة الفلسطينية الجديدة, اي باختصار مساعدتهم للقضاء على حركة حماس, وحركات المقاومة الاخرى . وبمعنى اخر مد يد العون لهم لضمان - امن اسرائيل- وبناء على ذلك فهو جاهز للدعوة الى عقد شراكة فلسطينية , ودفع ثمن ذلك, وهو: اطلاق سراح بضعة معتقلين فلسطينيين, وإلغاء بعض حواجز التفتيش, والسماح لقوات الامن الفلسطينية المسلحة بالقيام بحملات تفتيشية في المدن الفلسطينية .‏

باختصار اعطاء فرصة للفلسطينيين للتنفس قليلا. اما الهدف الثاني لشارون فهو ضمان تطبيق خطة الانسحاب من غزة , والذي يراه ضرورياً من اجل تحقيق برنامجه, فهو العارف , كما جميع الاسرائيليين العارفين ببواطن الامور, ان وجود 8000 مستوطن اسرائيلي يعيشون في رفاهية في قطاع غزة وسط 1,3 مليون فلسطيني يعيشون في بؤس وفقر مدقع امر صعب , من جهة ثانية, وهنا الاسوأ, يمكنه عبر ذلك ضمان تحقيق مشروعة التوسعي نحو الضفة الغربية.‏

ويصر شارون على المضي في طريقه, وإلحاق الهزيمة بأولئك المستوطنين والمتطرفين الدينيين الاسرائيليين الذين وجهوا له اتهامات الخيانة وهددوا بالعصيان المدني او حتى ارتكاب اعمال عنف ضد الدولة ,ولادراكه ان هذا الانسحاب يشكل تهديدا في انقسام حزب الليكود عمد رئيس حكومة اسرائيل الى تحالف مع حزب العمال الى جانب النظر في قيام تعاون مع السلطة الفلسطينية لتحقيق الانسحاب من غزة, الامر الذي يعني بنظره تنازلا مهما.‏

في البداية يسعى شارون الى جعل خطة فك الارتباط احادية بمعنى ألا تترجم على شكل انعاش للمفاوضات مع الفلسطينيين . اي عدم مشاركة الفلسطينيين في هذه الخطة بأي شكل من الاشكال .‏

ولذلك فهو على استعداد ,من اجل هذه المسألة التعاون مع شريك فلسطيني وهذا الموقف الذي وصفوه بالتساهلي راق للادارة الامريكية وللاوروبيين وكذلك للحاخام افاديا يوسف, زعيم حركة شاس المتطرفة ( تحتل 11 مقعدا في الكنيست ) الذي يسعى شارون الى ضمهم الى تحالفه الهش.‏

وامام الزعيم الفلسطيني الجديد اهداف وتطلعات متواضعة, انه يتطلع قبل كل شيء الى تحسين الظروف الحياتية الصعبة لشعبه التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي, مثل الفقر المدقع ,والبطالة المرتفعة , وصعوبة التحرك والانتقال او الشعور بالامان اينما كان فالقصف الاسرائيلي يزرع الموت في كل مكان, الامر الذي حول المجتمع الفلسطيني الى مجتمع مدمر .‏

وفي خطوة منه لإبداء حسن النوايا, وكسب تأييد دولي , تعهد محمود عباس بوضع نهاية لما أسماه ( فوضى السلاح) واعادة ترتيب البيت الفلسطيني , وتوحيد قوات الامن, واقناع فصائل المقاومة الفلسطينية بوقف ( عسكرة الانتفاضة) بمعنى يريد من شعبه اعطاء صورة للمضطللعين بمسؤولياتهم والمبتعدين عن العنف, والديمقراطيين . وفي قناعة رئيس السلطة الفلسطينية الحالي ان اللجوء الى حمل السلاح في وجه اسرائيل, هو بمثابة عملية انتحار . وان التغيير في اسرائيل لا يمكن ان يأتي سوى من الداخل, ولا يعتقد أن تبدر عن شارون واليمين الاسرائيلي اي بادرة ايجابية .‏

وفي احدى المرات, صرح كاتب اسرائيلي قائلا ان الاهداف الاستراتيجية لشارون هي ضم الضفة الغربية, ومنع قيام دولة فلسطينية . والباقي حسب رأيه مجرد تكتيك .‏

وهذا فيه كثير من الصحة , اذ ليس لشارون اي افق سياسي ابعد من الانسحاب من غزة , وبعض التنسيق الامني مع الفلسطينيين . وقد رفض الجانب الاسرائيلي , وبشكل قطعي, اجراء اي مفاوضات تتعلق ( بالوضع النهائي) في الاراضي الفلسطينية , اثناء محاولة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير اقناع شارون المشاركة في مؤتمر دولي يعقد في لندن . والذي رفض المشاركة به او الاستماع الى اي اقتراح يتعلق بمستقبل القدس او الحدود او وضع اللاجئين . مفضلا الحديث بشكل مهم حول امكانية اجراء ( ترتيبات) تفضي الى مستقبل تعايش اسرائيلي فلسطيني . يترجم على ارض الواقع,وهذا ما يراه غالبية المراقبين في توسيع المستوطنات , وإلغاء الحواجز الامنية , وتجميع الفلسطينيين في سبع مدن كبيرة, وهذا في قناعة شارون, يقود الى وضع يجعل الحياة اكثر صعوبة للشعب الفلسطيني , الامر الذي يضطرهم الى الهجرة.‏

باختصار , يقضي مشروعه بتقسيم الضفة الغربية بحيث تحصل اسرائيل على حصة الأسد, ما يعني العودة الى ( الخيار الاردني) الى جانب اقتطاع جزء من فلسطين وضمه الى المملكة الاردنية , اما على المدى الطويل, فتطلعات محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية مختلفة تماما, انه يسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية, الى جانب ايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين انه يتطلع الى اجراء مفاوضات جدية من اجل حل الصراع نهائيا.‏

في حين يحاول شارون التهرب من اجراء اي مفاوضات بشكل يتيح له كسب الوقت , ومتابعة مشروعه التوسعي. وفي حين يسعى شارون الى الحصول على مساعدة الرئيس بوش من اجل ارغام الفلسطينيين على القبول بالترتيبات المؤقتة, والتي بدروها لن تترك لهم شيئا يحصلون عليه في نهاية المطاف, يسعى عباس الى الحصول على دعم بوش لاقامة دولة فلسطينية مستقلة, ديمقراطية وقابلة للحياة, تكلم عنها الرئيس الامريكي سابقا .‏

ولا شك ان السلطة الفلسطينية تعول على حدوث تطور في الرأي العام الاسرائيلي, ويعتقد شارون انه وحين يتم الانسحاب من غزة, وتعود المستوطنات الاسرائيلية الى صفوفها وكذلك يجمع اليسار الاسرائيلي صفوفه , وتدرك الغالبية العظمى من الاسرائيليين ان امنهم على المدى الطويل يكمن في تحسين العلاقات مع دولة فلسطينية , فإن قيام دولة فلسطينية فوق قطاع غزة والضفة الغربية, تصبح حقيقة قائمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية