هل تحاوره, وللحوار شروطه وموضوعيته التي تفقدك الكثير مما تريد أن تعبر عنه بدفء الكلمات التي يجب أن تقال, أم أنك تعمد إلى الاحتفاء بالأمر على طريقتك ؟ منذ عقدين من الزمن بل أكثر أعرف الاستاذ الدكتور جورج جبور, رجل القانون والدبلوماسية والمفكر, واتابع من يثري به المشهد الثقافي العربي من حيث الأدبيات السياسية واللغة العربية, وصاحب المبادرات الخضراء التي أورقت ومازالت وستبقى علامة ثابتة في المشهد الثقافي العربي, وأتوق لأن ازور مكتبه, وأرشيفه, صومعته حيث تخرج رسائله السياسية إلى القادة في العالم, ولاسيما صوته العالي للمطالبة بالحق العربي, وقضايانا العادلة.
مرت كما اسلفت ذكرى ولادته, واحتفى بعيد ميلاده الثاني والثمانين, وعلى مقربة من أيام آتية سيحتفي بمرور ثلاثة وستين عاما على اول مقال له, ولئلا يضيع الاحتفاء بذكرى التواريخ ولجة الحديث عن الفكر السياسي, كان انحيازا للكتابة عن هذا الرجل الذي يدهشك بحضوره ونشاطه, واستحضار ما لديه ليذكرنا, ويقرع على رؤوس الأشهاد: ان لايأس في هذه الحياة, تابعوا قضايانا الفكرية والحقوقية, ناهيك بعشرات الكتب التي تتفرد في موضوعاتها وتبويبها, وليس آخرها الوقائع السورية, المرجع المهم جدا لكل دارس ومتابع لتاريخ سورية.
أما اللقاء والحوار, فمؤجلان ليوم ما, وربما كل يوم يتأخر يحمل في طياته المزيد مما نحتاجه للحوار, كتب جبور بمناسبة اقتراب ذكرى مقاله الاول قائلا:
(أنضد هذه الأحرف في الجزء الثالث من شهر كانون الثاني 2019, في 28 كانون الثاني 1956 نشرت جريدة الحضارة اليومية الدمشقية المحتجبة مقالي الأول, نشرته على صفحتها الأولى وقربه صورة الأمين العام للامم المتحدة وخبر عن زيارته الى سورية, كان المقال رسالة اليه, وبالفن الصحفي كان التعامل مع المقال ممتازا, كنت آنذاك في صف الشهادة الثانوية.
بعد أيام من نشر المقال زرت الجريدة التي لم أكن أعرف أحدا فيها. كان لها صندوق في مدخل بناية إلى جانب مقهى الهافانا, أودعت رسالتي في ذلك الصندوق وكان حظها رائعا. لا أدري من كان أول من وقعت بين يديه, لم يهملها, اختار لها المكان الأنسب.
بعد أيام من نشر المقال الذي كتمت أمره عن أفراد العائلة زار المنزل صديق يحترمه الجميع. اصطحب معه الجريدة, امتدح المقال, سررت, كأن كلامه سجل مهنتي كاتبا في نظر أهل المنزل, وقد اتضحت لي هوية..).
ستة عقود على المقال الأول لجبور, ومازالت الدهشة حاضرة في كل ما يكتبه ويقدمه بتواضعه وفكره ودبلوماسيته العذبة التي تعلمنا جميعا أن القدرة على العطاء هي النبل الحقيقي في الحياة, وأن الصحافة هي مهنة الارتقاء بفكرك أولا وثانيا وثالثا, ورابعا, ومن ثم للتجرؤ ان تكتب وتقول هذا ما أراه, أضعه أمامكم للنقاش والمذاكرة, ليس يقينا منزلا, فهو كل ساعة خاضع للتطور والإثراء والغنى, ثلاثة وستون عاما بالتمام والكمال, والقلم مازال قادرا على ضخ حبر الفكر المتجدد, لأنه يضرب عميقا في جذور الفكر ويزيد الغصون خضرة وبهاء من لون الحياة اليومية التي لا تنبت أبدا عما كان, وهي تؤسس لما هو قادم.
وجورج جبور, واحد من حراس لغتنا العربية, لايدخر جهدا من أجل رفعتها ومكانتها, وقد دعا مرات ومرات وبالعديد من الرسائل إلى من يهمه الأمر أن يكون المتنبي بذكراه يوما للاحتفاء باللغة العربية, فكما تحتفي الأمم الأخرى بمبدعيها (شكسبير, هوغو, غوركي, بوشكين إلخ..) ليكن لنا طقوسنا واستقلاليتنا التي تعبر عن عمق تجذرنا وقدرتنا على الفعل والانجاز الحقيقي.
ولا يغيب الهم القومي عما يقوم به دكتور جورج, فقد نبه بالعشرات من الدراسات والمقالات والرسائل إلى ضرورة الانتباه إلى الاستيطان الصهيوني, وإلى ما تم شطبه من قرارات الأمم المتحدة, ممن حيث مساواة الصهيونية بالعنصرية, ومن ثم إلغاء القرار..
محطات
• ولد في صافيتا (محافظة طرطوس) يوم 28/12/1938 ودرس فيها وفي دمشق والولايات المتحدة الأميركية ومصر.
• نال شهادة الثانوية العامة (فرع الاجتماعيات) عام 1956 وكان ترتيبه الأول في سورية.
• تخرج من كليتي الحقوق والآداب في جامعة دمشق في عام واحد: 1960.
• أوفدته جامعة دمشق للدراسة في أميركا ونال الماجستير في العلوم السياسية من جامعة كولورادو: 1962.
• أنهى متطلبات الدكتوراه في العلاقات الدولية من الجامعة الأمريكية بواشنطن العاصمة بدرجة الامتياز عام 1964.
نال الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة في كانون الثاني عام 1973.
• مارس التدريس الجامعي منذ عام 1964 في أميركا وسورية (جامعتي دمشق وحلب) ومصر، وحاضر في جامعتي أوكسفورد وكيمبردج وغيرهما من أبرز جامعات العالم. كذلك تفرغ بين عامي 1977 ـ1979 أستاذاً ورئيساً لقسم السياسة في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة.
• عمل قاضي نيابة في اللاذقية بسورية عام 1960، وموظفاً دولياً في وكالة الطاقة الذرية الدولية في ﭭيينا، ومستشاراً لرئيس الدولة العربية السورية ومديراً لمكتب دراسات رئيس الجمهورية العربية السورية، ومستشاراً في رئاسة مجلس الوزراء السوري وأستاذاً محاضراً لمقرر المذاهب السياسية في الدراسات العليا بكلية حقوق جامعة حلب.
• وغير ذلك الكثير من المهام الدبلوماسية والسياسية, ومازال بأوج العطاء يقدم للمشهد الثقافي والفكري.
جورج جبور المفكر والسياسي السوري, ستة عقود ونيف على مقالك الأول وما بين المقال الأول وما تقدمه اليوم ثمار عمر نأمل أن يبقى متوجا بالصحة والعافية, أما اللقاء فله موعد آخر, لعلي أعثر على المزيد مما أحتاجه.
من مؤلفاته
• إفريقيا وآسيا والأمم المتحدة (بالإنكليزية، 1962).
• الاستعمار الاستيطاني (بالإنكليزية،1970).
• فصول في تاريخ الفكر السياسي (1977).
• حافظ الأسد وقضية فلسطين (1987).
• الفكر السياسي المعاصر في سورية (طبعة أولى 1987ـ ط/2/1993 ط 3 / 2011).
• نحو عِلم عربي للسياسة (طبعة أولى 1989ـ ط/2/ـ 1993 ط 3 / 2009).
• صافيتا ومحيطها في القرن التاسع عشر (1994).
• الأمم المتحدة والسياسة الدولية وما يخص العرب (1994).
• رسالة إلى قداسة البابا (1995).
• القرار 3379 ومؤتمر دربان (الطبعة الثالثة، دار طلاس، 2001، الطبعة الرابعة، الإدارة السياسية، كانون ثاني 2009، الطبعة الخامسة، مؤسسة باحث، بيروت نيسان 2009).).
• العربية وحرب اللغات (دمشق، دار الفكر، 2008)..