تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوتار... بعض الحب كالعسل المغشوش بالسكر

آراء
الخميس 15-12-2011
ياسين رفاعية

لا يمكن أن تحب إذا لم تكن حراً، لأن الحب نفسه هو المتحرر من التقاليد يذهب حيث يشاء ويضع وردته في هذا القلب أو ذاك، إنه المتفلت من العتمة،

المتحرر من الأغلال والقيود، إنه الحب النقي الصافي الخالي من السموم، الحب الحقيقي يصبح تعاطفاً وعطاء، الحب هو البذرة والعطاء هو زهرتها.‏

انتبه يا صديقي، العطاء ليس عطفاً، فالعطف توجه أناني، يقوي الأنا عندك، حين تشفق على أحد تشعر أنك تمد له يداً، دون أن تدري أن هناك إهانة خلف هذه الشفقة، أنك تذل الآخرين وتتمتع بإذلالهم.‏

ولهذا فالعطف يصعب نسيانه، ذلك لأن ادعاء التسامح والعطاء ليس تسامحاً ولا عطاء، لأن خلفهما دوافع خفية بعيدة كل البعد عن الحب.‏

الحب لا دوافع خلفه، إنه بكل بساطة يعني أنك تملك فتعطي دون النظر لما تحتاجه الحبيبة خذ ياصديقي بعين الاعتبار أنك عندما تصبح عاشقاً تصبح رقيق الحاشية، تصبح كالحرير، أو كالعطر.. فالحب يهذب النفس ويرفعها إلى فوق الـ فوق كثيراً كأنك تطول نجمة الصباح بيديك، الحب عملية عفوية تتم تلقائياً، دون طلب أشبه بالتنفس، الحب يختلف عن العطف، إنه نقيضه.. الحب إذاً ليس أن نعطي شيئاً كأن تقول لها: خذي... يعني تشعرها بلهجتك أنك تمن عليها.‏

لا... لا أبداً، عطاء دون منة فبهذا الحب- العطاء سيكون نور الشمس أقوى... وسيكون نور القمر يشارك سريرك في غرفة النوم، إنه عطر الخلود ينتشر من خلالك، بل إنك، بالحب تتحول إلى آلة بيانو ترسل ألحانها إلى أبعد مكان.‏

لكنك إذا أشعرت الآخر بأنك تعطف عليه هذا الإحساس يجعلك أكثر أنانية فكر معي ملياً، الناس العطوفون هم أكثر أنانية من المجرمين.‏

هنا تكمن الغرابة: المجرم يشعر ولو بشيء من الذنب بينما ما نسميه عطوفاً، يعتقد أن كل شيء يجري على ما يرام، وأنه أفضل من غيره وأنه واعٍٍ بجد لما يفعل وكل عطف يزيد من طاقته، ومن قدرة الأنا عنده، هذه الأنا البغيضة تسيره.‏

إلا أن العطاء وحده بمعناه وحده ليس ما نسميه الحب لكن فيه شيء من جوهر الحب، لكنه ليس الحب الذي نعرفه والذي هو رغبة قوية في امتلاك من نحب.‏

لا أقول تملكاً، أقول إنه امتلاك متبادل بين الحبيبين فإذا قلت إنك تمتلك حبيبتك، بالمقابل هي أيضاً تقول إنها تمتلكك، هذا الإحساس المتبادل يصبح مع الزمن امتلاكاً حقيقياً وقوياً لدى الحبيبين، فلا يصح الحب إلا إذا قال واحدهما للآخر: يا أنا هنا تكون ذروة الحب التي لا انفصام فيها فهل يعقل الشخص منا أن ينقسم إلى شخصين .. مستحيل.‏

لكن عندما يتحول الحب إلى استغلال من أحد الطرفين يصبح جريمة، تقول الحبيبة بالإيحاء: ليس عندي خزانة ملابس بالبيت، إذا كان هذا صحيحاً يصبح من واجبات العاشق أن يشتري لحبيبته خزانة لملابسها، وإذا بالإيحاء أيضاً قالت: جاء الشتاء وليس عندي معطف يقيني من البرد، ثم يكتشف أن عند الحبيبة ليس معطفاً واحداً بل ثلاثة معاطف هنا يصبح الموضوع استغلالاً ، هنا يفسد الحب عندما يكون العطاء من طرف واحد، وليس متبادلاً بين اثنين، يقول« إيمانويل كانت» عن الأخلاق: استغلال الغير هو عمل لا أخلاقي، بل هو جرم بحق الأخلاق فلا تفعل ذلك لأن لكل امرئ كرامته وخصوصيته، ما عليك إلا احترامه كما هو، لا جعله وسيلة لأمر ما، وحين تحترمه كما هو ودون أي غاية تكون تحبه فعلاً.‏

المشكلة في مجتمعنا أن كلاً منا يستغل الآخر... الزوج يستغل زوجته، الزوجة تستغل زوجها وبالطبع لكل منهما دوافعه الخاصة.‏

في الحب لا يجوز ذلك أبداً، الاستغلال يكشف الحب من حقيقته أو زيفه.‏

في بعض الأحيان تقول لك: أريد... وأريد... وهناك أشياء كثيرة تنقصني وإنها بحاجة للمال لأن هناك أشياء ضرورية للحياة ناقصة عندها، ثم تكتشف أنها تذهب إلى أغلى صالون حلاقة وتدفع مئة دولار لمجرد تمشيط شعرها، وتدفع مثل هذا المبلغ أو أكثر لرسم حاجبيها.‏

أنت تستدين من أجلها وهي ترمي مالك على أشياء تافهة... هنا ذروة الاستغلال، بل هنا الجريمة ولكن لا يحاسب عليها القانون، بل شدة غبائك هي الجريمة ياما نساء أوصلت عشاقها الأثرياء إلى حافة الفقر... ياما نساء جعلت من حبيبها يبيع بيته كي يشتري لها سيارة.‏

ياما نساء جعلت من «عاشقها» يسوح مجنوناً في الشوارع ولا يرتدي إلا أسمالاً.‏

المجتمع يتحدث كثيراً عن نساء من هذا النوع.‏

استغلاليات لا يهمهن إلا مصلحتهن سواء جن العاشق أم ساح فقيراً يمد يده ويطلب حسنة من الناس.‏

إذا مررت برجل من هذاالنوع وأحسست أنه ابن نعمة سابقة... هذا هو الرجل المسكين الذي أعطى الحبيبة كل شيء وعندما أصبح على «الحديدة» دفعته بقدمها خارج البيت الذي اشتراه لها.‏

نساء من هذا النوع كثيرات، ولكن القانون لا يطولهن ولا يحاسبهن، وإذا سألت رجل القانون قال لك ببساطة: هذا من غباء الرجال الذين أحبوا مثل هاتيك النساء.‏

من المفروض أن يجلب لنا الحب .. السعادة لذلك مع مثل تلك النساء نتوهم أننا نحب.‏

هكذا صارت الإنسانية تعاني من هذا النوع الذي يشبه مرضاً عضالاً ومعدياً اسمه الحب لأنك لو فكرت منطقياً بالأمر لعرفت أن هذا الذي تدعي أنه حب ما هو إلا شهوة جنسية.‏

تبدو العلاقة هنا، في مثل هذا الحب المغشوش كالعسل المغشوش بالسكر ليس حباً: أنت تأخذ بقدر ما فيك أن تأخذ وتعطي أقل ما فيك، أن تعطي، فتحقيق الشهرة هو نوع من العمل التجاري، إلا أن الحب الأصيل أن تعطي بكرم عند الحاجة أي عندما تشعر أن الحبيبة، حقيقة بحاجة إليك، فأعطها دون حساب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية