وما يدعو إلى السخرية، أن هذا القرار جرى اعتماده بعد أيام من رفض المجلس رفضا قاطعاً تبني اقتراح يدين «إسرائيل» لهجومها على أسطول الحرية في المياه الدولية.
يرتكز القرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة على أكذوبة أساسية مفادها أن إيران هي قوة نووية قادمة وسوف تشكل تهديداً للأمن الدولي، وبالتالي أعطى القرار الضوء الأخضر للتحالف العسكري الأميركي- الأطلسي- الإسرائيلي لتهديد إيران بهجوم نووي عقابي ممهور بخاتم مجلس الأمن الدولي. وعليه فإن مجلس الأمن مارس الكيل بمكيالين في تطبيقه العقوبات أولاً لأنه جعل إيران هدفاً لتهديدات عقابية، في حين يتجاهل الترسانة النووية الضخمة «لإسرائيل» لابل إن المجتمع الدولي يوافق عليها ضمناً. وبالنسبة لواشنطن فإن القنابل النووية الإسرائيلية هي وسيلة سلام في الشرق الأوسط. وثانياً لأن أصابع الاتهام موجهة نحو إيران التي لا تمتلك أسلحة نووية.
حظر السلاح، وتوريط روسيا والصين
رضخت روسيا الاتحادية والصين للضغوط الاميركية وصوتتا لصالح القرار الذي لايلحق كبير أذى بالأمن الايراني فحسب وإنما يضعف وإلى حد كبير لابل ويقوض دورهما الاستراتيجي باعتبارهما قوتين دوليتين عظميين منافستين على رقعة الشطرنج الجيوسياسية في منطقة أوراسيا. فقد أصاب القرار مباشرة صميم بنية التحالف العسكري نفسه، فهو يمنع روسيا والصين من بيع أسلحة استراتيجية وتقليدية وحتى تكنولوجيا عسكرية لحليفتهما الحالية: إيران. وفي الواقع فإن هذه هي أحد الاهداف الرئيسية التي تنوي واشنطن فرض احترامه من القرار 1929. وبموازاة ذلك عندما يتم منع إيران من شراء تجهيزات عسكرية، يعني ذلك أن القرار يمنعها من الدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم أميركي- أطلسي- إسرائيلي.
وإذا ما جرى تطبيق القرار بحذافيره فإن القرارلا يلغي الاتفاقات الثنائية للتعاون العسكري مع إيران فقط، بل يفتح فجوة واسعة في جدار منظمة التعاون شنغهاي وبدور يؤدي إلى اضعاف العلاقات التجارية والاستثمارية بين إيران وشريكتيها الصين وروسيا، والتدابير المالية والمصرفية الواردة في متن القرار تدل أيضا على أن واشنطن لاتعتزم عزل إيران فحسب بل وزعزعة نظامها الحالي. وبالتالي فإن واشنطن عازمة كل العزم على تطبيق هذا القرار لأن من شأن ذلك أن يمكنها من فرض هيمنتها على انتاج وتصدير أنظمة التسليح، كما يشكل ضربة قاسية إن لم نقل حكماً بالاعدام على التجارة الدولية المربحة للأسلحة من الصين وروسيا المنافسة لأسلحة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا و«إسرائيل».
ففي العهد السوفييتي السابق تحولت تجارة السلام إلى رافعة أساسية لاقتصاد روسيا المتداعي، ما يعني أن ذلك يلحق كبير الضرر بميزان المدفوعات الروسي. والسؤال المطروح الآن، هل أدركت روسيا العواقب الوخيمة للحظر المفروض على بيع السلاح؟!
بعد اعتماد القرار مباشرة في 9 حزيران الجاري أشارت عدة تقارير صحفية روسية إلى أن بيع صورايخ إس300 الروسية لإيران سيتم تجميده رغم الضمانات التي أعطاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي اعتبر أن القرار لن يؤثر على معاهدة الدفاع الجوي. وهذه التصريحات المتناقضة تحمل على الاعتقاد أن ثمة انقساماً حاداً بين القادة الروس ودون ذلك فإن على روسيا وحسب الأصول أن تمارس حقها في النقض الفيتو في مجلس الأمن لأن إيران دون المساعدة العسكرية الروسية تصبح صيداً سهلاً إذ إن نظام دفاعها الجوي شديد الارتباط بمواصلة التعاون العسكري الروسي، وبالمقابل روسيا دون إيران ستجد نفسها مجبرة على بيع معدات عسكرية لدول وبلدان تدور في فلك أميركا والأطلسي.
هل قرار مجلس الأمن الأخير أعطى الضوء الأخضر الذي تبحث عنه واشنطن؟!
جوهر القرار موجه ضد حلفاء ايران: الصين وروسيا والمفارقة أن الصين وروسيا لم تمارسا حقهما في النقض الفيتو في وقت تتعرضان فيه لتهديدات أميركية مستترة، فالصين محاطة بالقواعد العسكرية الأميركية والصواريخ الأميركية في بولونيا والقوقاز موجهة نحو المدن الروسية ومؤخراً نادت الإدارة الأميركية بتوسيع نظام العقوبات ليشمل بيلاروسيا وهي إحدى حلفاء موسكو.
قرار مجلس الأمن الأخير لم يحمل على الاعتقاد أن واشنطن وحلفاءها يسيطرون على هذا المجلس فحسب بل وجه ضربة قاضية للسياسة الخارجية لكل من روسيا والصين اللتين سقطتا ضحية الإخفاق في قرارهما داخل مجلس الأمن الدولي.
فالهجوم على إيران سيؤدي وعلى الفور إلى حالة تصعيد عسكري. كما أن لبنان سيكون في دائرة الاستهداف وسوف تعم الفوضى منطقة الشرق الأوسط برمتها وكذلك آسيا الوسطى وقد يؤدي هذا الوضع المتفجر إلى سيناريو حرب عالمية ثالثة، بواقعية مفرطة فإن المغامرة العسكرية الاميركية - الأطلسية- الإسرائيلية تهدد مستقبل الإنسانية.
بقلم ميشيل شودوفسكي