عاد الموت ليجد حصاداً وافراً الشهر الماضي في العراق. تسعة وأربعون جندياً أمريكياً وحوالي ألف ضحية عراقية لم يكونوا سوى "أضرار جانبية في شهر نيسان من وجهة نظر واشنطن حول إقامة نظام جديد في بلاد ما بين النهرين" من جديد يزداد عدد القتلى ولا يزال جنرالات أمريكا يتحدثون عن تقدم واستقرار, وما حديثهم هذا إلا ثرثرة تصب في خدمة المتنافسين في انتخابات الرئاسة الأمريكية.وحتى وقت قريب كان الوضع -حسب زعمهم- جيداً. وبدأ التفكير بتخفيض عدد جنودهم في العراق, ولكن ذلك كان قبل أسابيع, عندما مرت الذكرى الخامسة لاحتلال العراق وبات من الضروري إطلاق أنباء إيجابية.
ومنذ أن رجحت استطلاعات الرأي في أمريكا أن الرئيس الأمريكي المقبل هو ذلك الذي يؤيد هذه الحرب بشكل أو بآخر, لم يعد الحديث حتى عن انسحاب تدريجي, بل على العكس "فالصقر" جون ماكين) يهدد بمسدسه على طريقة جون واين, وما عليه سوى الحذر من أن تتفوق عليه السيدة كلينتون, التي سمعناها قبل فترة وجيزة تكيل التهديد والوعيد لطهران. حتى "الحمامة"أوباما قد بلع غصن الزيتون الذي كان يرفعه خجلاً وذلك من باب الاحتياط.
كل ذلك يبشر بجو متفجر في المرحلة النهائية من المعركة الانتخابية الأمريكية. والظروف مهيأة لإطلاق سراح الجني الثائر من قمقم الكوارث الذي فتحه بوش.إن صقور أمريكا ليست في نظر بقية دول العالم سوى غربان تنهش الجيف.
* قرار الحرب والسلم في واشنطن:
تحت هذا العنوان كتبت صحيفة فرانكفورتر روندشاو مقالاً بقلم ديتمار اوسترمان جاء فيه:
كان مجلس الأمن القومي الأمريكي هو الأقوى في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون, وأصبح ربما الأكثر فوضوية في ظل الفترة الرئاسية الأولى لجورج بوش الابن. وكل رئيس أمريكي يعيد تحديد دور مجلس الأمن القومي مجدداً. لكن ما من أحد منهم يستغني عنه. فمنذ تأسيسه عام 1947 تطور مجلس الأمن القومي ليصبح أهم مفصل من مفاصل السياسة الخارجية والأمنية في تركيبة الحكومة الأمريكية. ففيه تتم مناقشة ردود فعل الولايات المتحدة على الأزمات الآنية وهنا تقرر مسألة الحرب والسلم.
والأساس هو الدور المهيمن للرئيس الذي ينص عليه الدستور في مجال السياسة الخارجية. فإلى مجلس الأمن القومي الذي مقره البيت الأبيض, تعود مسألة التنسيق والإشراف في القضايا المصيرية, وليس إلى وزارة الخارجية فهو خلية الأزمات الأمنية كنوع من نظام إنذار مبكر. لكنه أيضاً يفبرك الأفكار الاستراتيجية للدوائر العليا في الحكومة.
وقد سبق أن أظهر هنري كيسينجر مدى حجم سلطة مستشار الأمن القومي. ففي عهد الرئيس نيكسون ,لم يكتف كيسينجر في بدايات سبعينيات القرن العشرين بدور المنسق, بل أصبح اللاعب الأساسي في الحكومة وكوزير خارجية ملحق (أي بدون أن يحمل هذه الصفة) أجرى بتكليف من نيكسون مفاوضات سلام سرية مع فيتام الشمالية, ومهد الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية مع الخصم الايديولوجي الصين, كما كانت لمستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر وهو بريجنسكي معارك اسطورية مع وزير الخارجية سايروس فانس. مقابل النموذج الذي يمثله كيسينجر هناك نموذج يمثله سكوكروفت. وكمستشار للأمن القومي للرئيس بوش الأب, بقي سكوكروفت يقبع خلف الكواليس.
أخيرآً أصبحت صلاحية مستشار الأمن القومي ودور مجلس الأمن القومي متعلقة بالرئيس. فمقابل الوزن الكبير لكل من كولن باول ( وزير الخارجية السابق) ودونالد رامسفيلد "وزير الدفاع السابق" كانت كونداليزا رايس خلال السنوات الأولى من رئاسة بوش الابن في وضع صعب, وخاصة أن نائب الرئيس ديك تشيني كان يتدخل بقوة في عمل مجلس الأمن القومي.
طرواديو البنتاغون في مقال نشرته صحيفة يونغه فيلت بقلم " راينر روب" تحت هذا العنوان نقرأ:
قبل خمس سنوات انتصر جورج بوش في حربه على العراق, ففي ظهوره بمظهر المنتصر في ضوء الشمس الغاربة على ظهر حاملة الطائرات "ابراهام لنكولن" أعلن رئيس الولايات المتحدة بعد 41يوماً على بدء غزو العراق, النصر وانتهاء الأعمال الحربية, وما من واحدة من وسائل الإعلام الكبرى, عارضت إعلان القائد الأعلى لجميع القوات الأمريكية المسلحة في الأول من أيار عام .2003
* فضيحة إعلامية:
في التاسع عشر من نيسان الماضي, كشفت نيويورك تايمز عن أكبر فضيحة إعلامية في السنوات الأخيرة. فعلى قاعدة أكثر من ثمانية آلاف رسالة داخلية بالبريد الالكتروني للبنتاغون ونشرتها الصحيفة, ثبت كيف مارست الحكومة ضغطاً على جنرالات متقاعدين كانوا يعلقون على الأحداث في العراق ويحللونها على شاشات أهم المحطات التلفزيونية باعتبار أنهم "خبراء عسكريون مستقلون" لقد استخدمت وزارة الدفاع الأمريكية هؤلاء, كأحصنة طروادية إعلامية من أجل تغطية إعلامية إيجابية لحرب بوش على الإرهاب,من قلب محطات الإذاعة والتلفزة في الداخل ومن أجل نقل رسائل وأفكار إدارة بوش لملايين المواطنين الأمريكيين وكأنها آراؤهم الشخصية وهذا القول مقتبس عن بريدالبنتاغون الإلكتروني.
وبما أن معظم هؤلاء الخبراء (المستقلين) كانوا يقومون بدور اللوبي بخدمة مختلف شركات صناعة السلاح الأمريكية كان من السهل على قسم التشويه الإعلامي لدى البنتاغون جعل هؤلاء طوع بنانه.
وهكذا حصلوا على مايسمى بمعلومات أساسية, ونظرة إلى التقارير السرية المختارة, وفي الوقت نفسه أتيح لهم الوصول إلى قيادات البنتاعون والبيت الأبيض حيث يمكنهم من خلال ذلك القيام بمهمة اللوبي بالطريقة المثالية في خدمة الشركات التي أعطتهم التكليف.