إسرائيل هذه التي قامت عام 1948 على جريمة يطلق عليها اسم (النكبة), فقد أدت إلى ترحيل قسري لأكثر من 90% من أبناء فلسطين خارج أرضهم ووطنهم, وفي اعتقادنا أنه لا يمكن إقامة سلام أو أن يكتب له الحياة طالما أن (إسرائيل) لن تعترف بجرائمها ولن تعيد ما اغتصبته بالقوة إلى أصحابه الشرعيين.
وبينما تزداد أوضاع الفلسطينيين سوءاً بفعل الحصار الذي يمارسه المحتل, تقتضي اللياقة من حكوماتنا الغربية رفض المشاركة في هذه الاحتفالات, وتحتم علينا نحن أهل الصحافة الصدق والنزاهة في قول حقيقة ما يجري من سياسة التمييز العنصري (الأبارتيد) الذي تمارسه (إسرائيل) إزاء الفلسطينيين,والإصرار عليهما حتى يتم إيجاد حل لهذه المسألة وطبقاً للقانون الدولي.
إننا عندما نكتشف درجة الغموض الذي أُغرق فيه الناس في الغرب نتيجة التضليل الإعلامي حول حقيقة الحرب التي تخوضها (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني, ندرك عندئذ تأثير وفاعلية الدعاية السياسية التي تبثها السلطات الإسرائيلية وأتباعها.
ما يهمنا في هذا السياق ليس إعادة سرد التاريخ, أو الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك, وإنما ما يهمنا ببساطة متناهية, هو إماطة اللثام عن حقيقة الأحداث والاضطلاع بمسؤولياتنا من الناحية الإنسانية لإحقاق الحق وإنصاف الفلسطينيين ضحايا الاضطهاد الإسرائيلي, كما أنصف اليهود بالأمس ضحايا المحرقة النازية.
واحتراماً للحقيقة والعدالة, يجب أن يفرض المواطنون على الصحفيين أن يكفوا عن تسميمهم بالأخبار المحرّفة كما يفعل عملاء الاستخبارات البارعون في بث الدعاية ونشرها, والمرتبطون بدوائر القرار السياسية والعسكرية المسيطرة, وإحدى تلك الدوائر هي (إسرائيل) وجماعة الضغط (اللوبي) المؤثرة والتي تعرف كيف تلقي الرعب في قلوب الآخرين بحيث إن قلة يجرؤون على مواجهتها أو مخالفتها.
منذ عقود من الزمن ووسائل الإعلام الغربية الهامة واقعة تحت تأثير الدعاية العسكرية الإسرائيلية والمنظمات اليهودية في العالم, والتي تتفنن في الترويج للفكرة القائلة إن (إسرائيل) (ستظل مهددة من العرب والمسلمين). ومن جانب آخر لا تنفك الجماعات الضاغطة والصحفيون المؤيدون لما تطرحه (إسرائيل) عن استغلال المحرقة اليهودية وتحريك شبح المعاداة للسامية لملاحقة كل من يطالب بإنصاف الفلسطينيين الذين هم ضحايا التطهير العرقي وسياسة العزل العنصري.
بيد أنه عندما نكتشف فداحة عمليات التعذيب والاضطهاد التي فرضتها (إسرائيل) على الفلسطينيين منذ عام ,1948 تصيبنا الدهشة من هذا التحريف والتشويه للحقيقة.
ويتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: لماذا منذ ستين عاماً, ونحن نتحدث بإصرار عن ضحايا النازية من اليهود, في حين أننا نلوذ بالصمت حيال ضحايا الاضطهاد الإسرائيلي من الفلسطينيين? ولماذا هذا الكيل بمكيالين?!
إسرائيل وأذنابها, يقدمون لنا على الدوام حقيقة مغايرة لما يجري في الشرق الأوسط, إذ إن الحملات الإعلامية التي تقدم اليهود كضحايا, هي تستهدف أولاً وآخراً منع أي انتقاد تجاه (إسرائيل) التي لا يعرف إلا قلة من الناس جرائمها الجديدة من المجازر وعمليات الاعتقال للفلسطينيين, والتطهير العرقي المستمر, ف(إسرائيل) تبرر دائماً عمليات قضم أراضي الفلسطينيين, والمجازر ضد المدنيين, وتدمير المدن والقرى, وعمليات الاغتيال (غير القانونية) بذريعة أنها (ضرورية لأمنها), بيد أننا عندما قمنا بزيارة منطقة الشرق الأوسط سرعان ما اكتشفنا أن (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة دمار شامل, وتخلق حالة من انعدام الأمن والاستقرار لدول الجوار سورية ولبنان والعراق.
و(إسرائيل) التي تصنف في المراتب الأولى عسكرياً, ليست بحاجة لبناء جدار (لأمنها), لكن هذا الجدار العنصري كان موضوعاً منذ زمن طويل,وينتظر في الأدراج حتى تحين اللحظة المناسبة, فمنذ أن أعلن عن بنائه الزعيم (العمالي) إيهود باراك في نيسان عام ,2002 سرعان ما لقي الدعم من كل القوى السياسية الإسرائيلية, بمن فيهم معسكر السلام.
جدار الفصل العنصري هذا الذي يشمل مخططه ضم الآبار ومصادرة الأراضي وترحيل القرويين, سيلحق ضرراً بالغاً مباشرة وعلى نحو مستمر بملايين الفلسطينيين, وهذا الجدار تطلب الانتظار عاماً ونصف العام حتى يقر بوش بأنه يشكل (عقبة) وحتى يسمح لوسائل الإعلام لتكشف للعالم قليلاً عن أبعاد بنائه, لكن بوش وبضغط من أرئيل شارون ما لبث أن تراجع عن كلامه بعد أربعة أيام, وهذا الجدار الذي يسجن الفلسطينيين في معازل بشعة, يخلق عقبة في طريق السلام ,لأن أمل واضعي خطة (إسرائيل) الكبرى هو الوصول مع مرور الزمن إلى إمكانية استحالة أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم.
وهنا ندرك لماذا يحاول أصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي تقييد حرية وسائل الإعلام الرئيسية?! ببساطة لتبرير جرائم (إسرائيل) والتدابير غير القانونية المتخذة لمحاصرة الفلسطينيين ولصرف الأنظار عما يجري في فلسطين وتشويه الحقائق, إذ لو كان مراسلو الإعلام الغربي قد كشفوا عن الجرائم الجديدة المرتكبة بحق الفلسطينيين من جراء جدار الخزي هذا, لما تمكنت (إسرائيل) -ربما- من بنائه, إذ إنها -أي إسرائيل- عندما أعلنت عن المشروع, كانت تتوقع ردود فعل غاضبة, لكن الصمت الدولي أعطاها تفويضاً مطلقاً.
لقد دفع أناس يتحلون بالنزاهة حياتهم ثمناً لرغبتهم قول حقيقة الفظائع التي ترتكبها (إسرائيل) في العالم, والتي كانوا شهود عيان عليها -شهوداً لاحقهم الجيش الإسرائيلي- المهتم بصورته- بوحشية, واغتالهم وزج بهم في غياهب السجون, إذ إن (إسرائيل) تصف كل من يفضح جرائمها ب(المهدد لأمنها).
وهنا يجب ألا ننسى رافائيل سيرييلو, المصور الإيطالي الذي قتله عمداً أحد الجنود الإسرائيليين في مدينة رام الله بداية الهجوم العسكري آذار ,2002 وهذا الهجوم الوحشي المستمر الذي لم يوفر حتى الصحفيين الأجانب الذين أرادوا اختراق الحصار العسكري الإسرائيلي للدخول إلى الأحياء الفلسطينية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي (مناطق عسكرية).
الانترنت - عن موقعALTER INFO