وقد أفصحت تلك الزيارات جلياً عن فقدان للنفوذ الأميركي حتى على (إسرائيل) التي لم تكترث بما أبدته رايس من امتعاض بشأن توسيع المستوطنات الإسرائيلية حيث نجد أن رئيس الحكومة أيهود أولمرت قد عمد إلى السماح ببناء وحدات سكنية حتى قبل أن تقلع بطائرتها من مطار بن غوريون, ما شكل نوعاً من الاستهتار وعدم الاكتراث بما أبدته من رأي , ومع ذلك فإنها استمرت بتكرار الزيارة وإبداء الامتعاض.
لم يسبق لوزير خارجية أميركي أن كرس من الوقت والجهد كما كرسته كونداليزا رايس لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني, لكن كل ذلك لم يفض إلى تحقيق أي نتيجة ملموسة, حتى بدا أن ما تقوم به من محاولات لتحقيق أي تقدم لحل هذا الصراع ما هو في واقعه سوى تمهيدا للزيارة التي سيقوم بها جورج بوش لحضور احتفالات الذكرى الستين لتأسيس (إسرائيل), في الوقت الذي أصيب به الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالإحباط بعد اجتماعه مع بوش في واشنطن, وعبر عن ذلك بقوله:لن يتسنى لنا تحقيق أي شيء حتى الآن, ويبدو أن عباس قد تلقى درساً مؤلماً عندما وضع آماله في الولايات المتحدة لإيجاد الحل المناسب.
هناك مفارقة وتناقض بين ما يعلنه بوش وإدارته من رغبة بتحقيق اتفاق سلام إسرائىلي - فلسطيني في نهاية هذا العام وعدم المبادرة إلى ممارسة الضغوط على (إسرائىل) بأي شكل من الأشكال حيث سأل أحد المراسلين كونداليزا رايس في زيارتها الأخيرة إن كانت ستمارس ضغوطاً على (إسرائيل) لوقف بناء المستوطنات فكان جوابها إنها ليست بصدد ممارسة الضغوط وإن ما تهدف إليه هو حل الإشكالات القائمة, لذلك نتساءل كيف نتوقع أن تحل القضايا المعلقة في ضوء ما تقوم به (إسرائيل) من الاستمرار في بناء المستوطنات على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية أو التوقف عن الإجراءات العسكريةالعنيفة في البلدات والقرى الفلسطينية وعدم إطلاق سراح أي من السجناء الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم ال 10000 فلسطيني وعدم تفكيك أي حاجز من الحواجز الخمسمئة التي تنغص حياة الفلسطينيين?.
يلاحظ بأن إدارة بوش تتجاهل القضايا الجوهرية اللازمة لحل الصراع كالحدود ومستقبل الدولة الفلسطينية, ودعوة اللاجئين أو التعويض عليهم ومصير القدس المحتلة, في الوقت الذي تعلم به أنه ليست ثمة رئيس فلسطيني يقدم على توقيع اتفاقية مع (إسرائيل) لا توفر السيادة الفلسطينية على الحرم الشريف أو (جبل هيكل).
الخطأ القاتل إن الخطأ القاتل الذي أوقعت به رايس نفسها أنها ابتعدت عن إيجاد تسوية عربية- إسرائىلية شاملة, بينما بذلت قصارى جهدها للسعي لتنفيذ اتفاقية بين شخصين أحدهما وهو رئيس الحكومة إيهود أولمرت الذي يعيش في وضع قلق جراء اتهامه بتلقي رشاوى والثاني محمود عباس الذي يرأس سلطة في طور الاحتضار, وإن كليهما ليس لديه القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية, ذلك الواقع هو الذي سيفضي بجهودها نحو الفشل.
من المسلم به أنه لن يتسنى عقد اتفاقية سلام يستبعد منها كل من سورية وحماس, وفي ضوء ما تقوم به رايس من بذل الجهد لفرض العقوبات على سورية ساعية إلى عزلها بدلاً من إشراكها في الحلول المناسبة, وعدم التعامل مع حماس كجهة فازت بالانتخابات الديمقراطية التي جرت عام ,2006 والتعامل معها كمنظمة إرهابية واعتبارها حليفة لإيران في حروبها واتهامها بأخذ سكان غزة رهينة وببناء بنية تحتية إرهابية.
وعوضاً عن أن تعمل على تحقيق مصالحة بين حماس وفتح (ذلك الأمر الذي يحتاجه أي تقدم نحو السلام) نراها تسعى لإذكاء الصراع بينهما, وتؤيد الوهم الإسرائيلي القائم على إخضاع حماس بالقوة, وبذلك تبدو كأنها أحد عناصر الأمن الإسرائيلي دون أن تأخذ باعتبارها أن تصرفها هذا يضعف ثقة الشعب الفلسطيني والعرب بالولايات المتحدة. لقد فشلت رايس في وضع رؤية أميركية واضحة للتسوية الفلسطينية - الإسرائيلية كما أن رئيسها ليس في مخيلته أي حل للصراع القائم حيث يترك الأمر للاتفاق بين الجانبين ودون أن يسعى إلى وضع بعض المقترحات (على غرار ما فعله بيل كلنتون في الأسابيع الأخيرة من ولايته) في ضوء وجود قوة إسرائىلية كبيرة وفلسطينيين مقسمين الأمر الذي يحول دون التوصل إلى تسوية في هذه الظروف دون تدخل من الولايات المتحدة, كما أن ترك الأمور للاتفاق بين الطرفين سيقود دون ريب إلى فشل تحقيق أي تسوية بينهما.
إزاء هذا الواقع فقد اعتبرت رايس بأنها لا تسعى للتوصل إلى ميثاق أومعاهدة أو التزام من الجانبين, لكن سعيها يقتصر على التوصل إلى (اتفاقية رف) تلك الاتفاقية التي ستبقى على الرف حتى تسمح الظروف بتطبيقها ومن المحتمل ألا تطبق بتاتاً.
سيذكر بوش بما تسبب به من أضرار للعالم العربي والولايات المتحدة من خلال حربه على العراق, الأمر الذي يتطلب عقوداً عدة لإصلاحه.
لقد تحدث بوش عن الدولة الفلسطينية دون أن يفعل شيئاً على أرض الواقع متجاهلاً أن الكلمات وحدها لن تفي بالغرض.
الإنترنت عن موقع gulfnews