وهكذا لايسعنا إلا أن نسأل إلى أي درجة تملك المرأة حرية الاختيار سواء في التعلم أو الزواج أو العمل أوالعلاقات مع المحيط الخ.. وهل هو اختيار حقيقي ليس فيه شوائب وضغوطات أخرى?
وإن كان الواقع في جعبته الكثير من الأحداث, إلا أننا سنكتفي بأن نسأل هل رجاء اختارت الأمية عندما رفض والدها ارسالها إلى المدرسة لأنه يرى ذلك عيباً بالنسبة للفتاة, وهل هي اختارت الزواج عندما تقدم لها ابن خالتها وهي في مرحلة من الوعي والعمر لاتعرف ما أبعاد هذا القرار, فوافقت عندما قالت لها والدتها: لن تجدي أفضل منه, فهو مناسب جداً, على الأقل سينقذك من العنوسة.
أما أحلام فقد تركت المدرسة قبل أن تنهي المرحلة الثانوية, وكان جمالها جواز عبورها في المجتمع فكثرت عبارات الاطراء والمديح بشكلها ما دفعها لإهمال التعلم وترك المدرسة والتوجه للاهتمام بالزواج.
ولكن هذا الأمر أوقعها في زواج غير صحيح, إذ تزوجت من رجل يكبرها بعشرين عاماً, دفع الكثير من المال مقابل الحصول عليها, وكانت قناعة أهلها بالمال كبيرة جداً لدرجة أنهم لم يفكروا بتقديم النصيحة لابنتهم.
قصص مختلفة توحي وتشير إلى أوجه حرية المرأة, فماذا يقول أهل الاختصاص عن واقع هذه الحرية?
السيدة هناء قدورة رئيسة مكتب العلاقات الخارجية في الاتحاد النسائي ترى أن المرأة عاشت مسيرة نضال طويلة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن وعلى الأغلب هي في موقع تستطيع أن تحدد من خلاله طريقها ودراستها, ومجال عملها.
ولكن تعود لتقول: إن البيئة الأسرية التي تعيش فيها الفتاة لها تأثير كبير, عندما يكون جو الأسرة منفتحاً وواعياً, فإنه يعطي للمرأة كل الحريات بحيث يكون الرأي الأول لها, وفي مجتمعنا وصلنا إلى ذلك, فهناك الكثير من الأسر التي تتصف بهذه الصفات, وهذا الانفتاح الذي هو نتيجة لوجود القوانين والدساتير التي تساوي بين المرأة والرجل في التعلم والعمل.
واليوم يربط القانون بين عمل المرأة والتنمية وأن كل المجالات ستكون مبتورة إذا كانت المرأة بعيدة, وهذا أعطى لها ثقة كبيرة بوجودها الاقتصادي والاجتماعي وجعلها أكثر قدرة على الاختيار وعلى أخذ دورها, توجد وسائل توعية مختلفة وكثيرة تنعكس على شخصية المرأة ومن هنا أقول: إن المرأة المقيدة والتي تعيش في جو من الخوف والقلق ينعكس ذلك على قراراتها وشخصيتها وهي أيضاً تنقل ذلك إلى أطفالها في المستقبل, والواقع يحمل اليوم بيئات اجتماعية متباينة تختلف فيها قدرات المرأة على تحديد ماذا تريد وماهو مطلوب منها.
الباحثة الاجتماعية أليسار فندي من المرصد الوطني لرعاية الشباب قالت: إن متطلبات أي فتاة تتراوح بين التعليم والتألق الاجتماعي وإيجابية متطلباتها.
ومع أن المفاهيم تتغير وتنضج إلى درجة الوعي الكامل بكل مايرسم المستقبل المناسب, لكن ظروف الحياة تقف أحياناً عائقاً في تحقيق أي من هذه الطموحات.
وتكمن الاشكالية هنا بمبدأ لجم الطمح واعطائه منحى آخر لايستند إلى حاجة العائلة وإلى النتائج التي يمكن أن تترتب على السير في أمور معينة خاصة تواكب عقلية هذه الفتاة وفكرتها عن مستقبلها بالشكل والمضمون الذي تنظر فيه أية فتاة إلى أقرانها في هذا المجتمع بعينه.
مثلاً: فتاة بدأت بمواكبة طموحها العلمي, تطلب للزواج من شخص ثري في سن مبكرة, وتدفع للقبول به, بغض النظر عن احساسها ومشاعرها فهل هي في سن النضوج لتستطيع معرفة خصوصية الزواج وهل هي حرة في القبول من عدمه, ويمسك الأهل بخيط مصلحة البنت وتأمين المستقبل ولكن حقيقة الموقف تكمن في الزمن غير المناسب مابين عمره وفرصة الزواج ومدى استمراريته من ناحية التكوين الفيزيولوجي والنفسي, وهل هي جاهزة لتقبل مشكلات التعامل مع هذا الإنسان وهي لا تملك التجربة ولا الخبرة عن خصوصية الزواج.
وبالنسبة للحالة الثانية, فتاة لم تأخذ قسطاً من التعليم, ترعرعت بين أحضان أهلها, ولم تتزوج رغم تقدم أكثر من شاب لها, فما هامش حريتها في الاختيار وخاصة أن التصاقها بأهلها يجعل منها أسيرة الحميمية الأسرية, ويكون منها شخصية تخاف الاقتران وتهاب الغربة عن بيت أهلها حتى لوكانت عند زوجها.
وأيضاً من غير الممكن أن نعتبر نضوج الجسم والعقل مسايراً لنضوج هذه الشخصية, فسمات الشخصية تكتسب من الخبرات العملية, ومن كل ماسبق يمكن القول: تعيش المرأة الحرية وتتمتع بها بحسب الحريات الموجودة في محيطها, ومازلنا نعاني من الاقناع الأدبي والأخلاقي الذي مورس ومازال في مجتمعنا بحق المرأة.