ينقّله بين أنامله المدماة إصراراً. ومن ثم يكلله ذاكرة إبداع تحتضن دهشة الحياة بأكثر من غصة وجرح وبتوق الى المزيد من حكايا ليست قتيلة.
وإذا كان لكل حكاية راوٍ فإنه المبدع الذي ينحت في الذهن فترشدنا شظايا المعاناة الى جدواه, ولكن من يرشده لبلوغ فجر الحلم يسطع بإبداعاته.
ولأن الأنامل الشابة بحاجة لمن يقرأ ويدعم ويوجه مشجعاً.. سنرى ما يقول أصحابها والقارىء هوالحكم!..
الرعاية ضرورية
- زهير محفوض-شاعر:
الآن.. وبعد سنوات من إخباري أن كتابي الأول هو انتحار أدبي, أرفع قلمي-أضعه في رأسي متهيئاً لانتحار أدبي آخر كما كنت أفعل قبل كل إصدار جديد لي.
هكذا يبدأ (زهير) مجموعته الشعرية (عاشق على مرمى حب) حيث يقف بعيداً عن قريته, كعاشق فوق العادة يحتفل بها بشعوره الباقي على قيد الكتابة..
ورغم أن (زهير) لا تروقه فكرة السؤال: من يدعم ويوجه المبدعين الشباب. ولكن لأن ذلك أمر واقع, يقول: حاجة المبدع الى من يتبناه حقيقة لا جدال فيها. سواء كان ذلك من قبل كاتب مشهور, أو وسيلة إعلام أو دار نشر أو مركز ثقافي أو معرض أو هيئة حكومية.
وللأسف الكاتب المشهور يعاني من عقدة التفوق ووسائل الاعلام من عقدة المحسوبيات
دور النشر.. عاجزة والعاملون على المراكز الثقافية أشبه بمتعهدي الثقافة الخ...
أما المؤسسة المفترض أن تهتم بالمبدع (اتحاد الكتاب..) فهي عائق في وجهه, ذات مرة سُئلت ما شروط الموافقة على طباعة مخطوط ما.. ووجدت نفسي أجيب وكانت الحقيقة المؤلمة أنه يجب ألا يمس شيئاً بل ينبغي أن يكون شيئاً ضبابياً غير مفهوم لا رابط فيه ولا هدف. وهكذا يموت المبدع بعد احتضار طويل بين أوراقه فلا يجد من يشيّعه أو يهتم لدفنه.
يرفض (زهير) هذه النهاية لكنه في مجموعته الشعرية (الموت غرقاً على ضفاف امرأة) يرضى أن تكون نهايته بين الأوراق التي تمتلىء بالحب. فهي ورغم ما يصيبها من انهيار عصبي وذبحة قلبية وجنون تبقى متجددة بالحياة لأنه يمنحها جنسية جديدة يقول:
لقد قدّر الله أن يشتهي ورقاتي
هذا السواد النبيل..
وقد ذكرت كتب الأولين..
بأنّ الزمان الذي لا تكونينَ فيه
زمانٌ قتيل..
الهيئات الرسمية لا تصنع مبدعاً
- ميساء الصالح-شاعرة:
مولودة من رحم الابداع والاحساس بالكلمة فوالداها شاعران عمّدا أناملها منذ الطفولة بعشق الجمال أينما كان.. فكيف إذا كانت من بيئة تصرخ بكل حواسها انبهاراً بجمال الطبيعة, تقول: كان للطبيعة الدور الأكبر في تنمية موهبتي الشعرية فالجبل والأرض والبحر في حالة عناق دائم لأجمل الأحاسيس التي نمتلكها, ما يفجر لدينا الأحرف التي تسكننا وتعشق الابداع.. بالاضافة الى الطبيعة, بدأ الاهتمام بموهبتي من قبل أسرتي التي شجعتني منذ الطفولة, لأجد نفسي أُلقي الشعر في فترة مبكرة وأنا في المدرسة. مع المتابعة ازدادت خبرتي ونضجت كتاباتي فكانت الأمسيات في الجامعة والمراكز الثقافية.
برأيي, المبدع الحقيقي لا يعتمد على الهيئات الرسمية وحدها. فعليه تثقيف ذاته وتزكيتها للأفضل والأسمى. وهذا لايعني أن هذه الهيئات (وزارة الثقافة-اتحاد الكتاب الخ..) غير مسؤولة عن الاهتمام والدعم الموجه للمبدع الشاب وبالتالي يكون التكامل بالتعاون بين الجهتين والذي يصب في خدمة الكلمة والابداع.
هناك الكثير من المبدعين الشباب, وإن واجهوا صعوبات أو أغلقت بوجههم أبواب التشجيع والانطلاق لا يتوقفون عن الكتابة للتعبير عن الذات فالكلمة بالنسبة لهم المتنفس الحقيقي الذي يبوحون من خلاله بمواجعهم وآهاتهم الخاصة والعامة والتي من خلالها يعبرون عن قضايا مجتمعهم (بحلوه ومره.. بألمه وأمله)...
بشكل عام, يبقى سعي الهيئات الثقافية, هو طموحها نحو الأفضل وطموح كل شاب مبدع-إنما الحياة بليلها ونهارها لاكمال لأحدهما إلا بالآخر وبالتالي تبقى الأمور نسبية ويبقى الكمال (لله) الذي تذوب فيه النسبية سابحة في فضاء الأبدية ليتجسد الكمال المطلق..
البطالة صنعتنا
فاتن بركات-قاصة:
لو أردت الجواب كما يقتضي السؤال, لأرسلت إشارات!!.. واكتفيت.. فالبطالة شرط مهم للابداع. لأن من خصّه الله بموهبة الخلق والتجديد, التي هي في المحصلة (إبداع) عمله الحقيقي هو التفكير..
فليس من المعقول أن يعمل الرسام (كومجياً) أوالكاتب المبدع, بمعمل لأكياس النايلون.. وربما ترى مخترعاً يبيع اسطوانات الغاز -أقول هذا مثلاً- فضلاً على ما تقوم به وسائل الدعم الثقافية والاعلامية باختلافها, من تقزيم للبعض وتضخيم للآخر دون علم منها بخطورة إبعاد الكفاءات عن مواقع عملها الحقيقي..
عندما نرى المبدع وقد تفجرت طاقاته الابداعية على منابر الغير نشير قائلين: (هذا من عندنا) يصاحب ذلك شعور بالاعتزاز به والاحساس بخسارته في مجتمعه (لا أقصد هنا التهكم)..
فكم من مبدع لو توفر له الاهتمام بموهبته لكانت أعماله قصة حضارة, المتفحص لها كمن يكتشف لأول مرة, قارة غنية بالموارد. (إنه الابداع السهل الممتنع)..
أخيراً- أليس من اللائق توجيه الشكر والثناء للبطالة والفروق الطبقية والاحباطات النفسية
وتراكمات الحياة الصاخبة التي تنضج عوامل الابداع لدى شبابنا?!.. حتماً من اللائق..
لا أحد يهتم..
- يسرى الصعوب-قاصة:
هاربة من جدوى الاستفهام وإجابتها على شفا اللامبالاة قالت ساخرة...
»إن كانت الأفكار المولودة من رحم العقل ترمي بصاحبها الى لجّة الشقاء فمن الخير للبشرية أن نصوغ في الانسان قلباً يخضع لفلسفة المحبة قبل أن نصوغ فيه عقلاً لمحبة الفلسفة«..
إنها كلمات من قصة أوردتها في مجموعتها (داء الكراسي) وهي بعنوان (رأس الحكمة)..
تابعت: الكتابة جدوانا.. والكلمة تسكننا بشغف لا نمتلك حياله سوى تقديسها حباً أما عن من يهتم بنا كمبدعين شباب فلا تسألني. فلا أحد يقرأ ولا أحد يهتم.
الجهات الثقافية والنقاد والكتاب الذين نالوا نصيبهم من الشهرة لا يهتمون بما يُهدى لهم أو يعرض عليهم من نتاج أدبي المبدعين شباب لا يعرفونهم. وهم -حسب رأيهم- لا وقت لديهم للإطلاع- أو لأن الأسماء المغمورة لا تشجعهم على قراءة نتاجات أصحابها. هذا ما قيل لي من قبل أحد النقاد كيف يقرأ لي واسمي ليس متداولاً في الساحة الأدبية.
غاب النقد والموجهون..
- شادي صوان-شاعر
يعتبر قبل كل شيء أن من الواجب على المبدع أن يكون داعماً لنفسه من خلال إبداعاته, وعندما تتلمس الجهات الثقافية هذا الابداع عليها المبادرة لاحتضان النسغ الجديد من الشباب . ويتوقف هذا على ثقافة المقيمين وأنا أشكك بالنسبة العظمى من الذين لديهم القدرة على تقييم العمل الابداعي وهم يحتلون مراكز القرار في تقديم الدعم الذي يستحقه المبدع الشاب..
إذن.. هناك غياب للتقييم الحيادي الخالص لوجه الابداع لا أكثر, في حين نرى أعضاء في اتحاد الكتاب هم أقل إبداعاً, ومنهم من لا يستحق أن نطلق عليه ما يوحي بأنه أديب..
يبارك شادي الوجع الذي ينتاب الشاعر ويعتصر روحه قبل أن تنطلق منها آفاق الكلمات.
نهاية.. من حقي أن أقول: إذا كان الانسان هو الثروة الحقيقة لأي أمة, فالانسان المبدع هو عقل الأمة المكتشف لثرواتها..
ويبقى الأمل.. النور المتوقد في فضاء العقل لكل مبدع.. يلزمنا الكثير من الأنامل الخضراء تجذّر الوعي في مجتمعاتنا بعد أن تقتلع الأشواك التي تدمي حضارتنا..
بوركت الأنامل الشابة المبدعة.. صافحوها تضامناً مع الأمل.. إنها الحياة.