التي ما تزال تحتفظ برصيد مقبول من التوافقات التي تغذيها المصالح الإستراتيجية لمعظم الأطراف المتوحدة ولو بالظاهر حول وجوب منع الانزلاق إلى مواجهات مباشرة أو حرب مفتوحة قد تعجل بنسف مشاريع وطموحات منظومة العدوان ولاسيما الولايات المتحدة والنظام التركي.
أبرز تلك التطورات هو الاجتماع الثلاثي «السوري الروسي التركي» الذي حصل في موسكو مؤخراً، والذي يبدو بحسب المعطيات والمعلومات المتوافرة أنه يشكل فرصة جديدة للنظام التركي للالتزام بتعهداته، لهذا لا يمكننا القول إن المشهد بات يغفو على أحلام وردية من التفاؤل أو الأصح على كوابيس مفزعة من التفاؤل، ولا يمكننا كذلك الجزم بأن ما يحصل هو مقدمة لمرحلة جديدة ومسار عمل مختلف لم يزل الغموض يكتنف ماهيته وطبيعته ومصداقيته، رغم وضوح الرؤيا والخطوط العريضة لجهة خطوات البدء والتنفيذ المعروفة للجميع، والتي حددها وأعلنها الوفد السوري خلال الاجتماع. والتي تبدأ من الالتزام الكامل بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، مروراً بالانسحاب الفوري والكامل من التراب السوري وليس آخراً الالتزام بالاتفاقات والتعهدات ولاسيما اتفاق سوتشي الخاص بمدينة إدلب، وتحديداً ما يتعلق بإخلاء المنطقة من الإرهابيين والأسلحة الثقيلة وفتح طريق (حلب- اللاذقية) و(حلب-حماة).
في العمق ومن داخل تلك الزوايا المضيئة والتي هي قليلة بطبيعة الحال، فإنه يمكن القول إن المشهد ما يزال يخطو في الفراغ، أي إن خطواته ستبقى أسيرة المكان الذي سوف تستقر إليه في ظل إصرار بعض أطراف الإرهاب على تفخيخ وربما تفجير كل المساحات التي يمكن أن تشكل أرضية لقاعدة انطلاق نحو الاتفاق على مخرجات للحل، في ضوء اتساع رقعة الكباش والاشتباك إقليمياً ودولياً، ولاسيما بعد التصعيد الأميركي الأخير المتمثل باغتيال الفريق سليماني وما يوازيه من توسيع النظام التركي لمساحات أطماعه واحتلاله لتصل إلى ليبيا.
كل التطورات الحاصلة التي باتت تضرب المشهد من كل الاتجاهات بغض النظر عن شكلها وشدتها وحدتها والتي يتوقع أن تتدحرج في اتجاهين لا ثالث لهما خلال الأسابيع القادمة، إما في اتجاه الحل السياسي وإما في اتجاه التصعيد الكارثي الذي يأخذ جميع الأطراف إلى حافة الجحيم، ولاسيما أطراف الإرهاب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والنظام التركي اللذين يضطلعان بأدوار ومهمات التسخين والتفجير.
بكافة الأحوال لا يمكن بعد الآن فصل المشهد السوري بعناوينه العريضة، بل حتى بتفاصيله الصغيرة والشائكة عن المشهد الإقليمي والدولي بأكمله، ولهذا الأمر إيجابياته وسلبياته ودلالاته وأبعاده الكثيرة، فهذا التشابك المعقد هو من جهة ضامن لكبح جموح وجنون بعض اللاعبين الأساسيين على المسرح الإقليمي والدولي، وهو من جهة أخرى قد يؤدي إلى كبح عربة الحلول السياسية، بسبب ترابط المكاسب والمشاريع، وخاصة الاحتلالية والاستعمارية منها، وبسبب تضارب المصالح والأهداف لتلك الأطراف.
يبقى الميدان هو الصانع الحقيقي للسياسات والاستراتيجيات، ليس هذا فحسب بل هو الأكثر فاعلية في إعادة إنتاج وصياغة الأمزجة والأدمغة بما يتناسب وطبيعة المرحلة وبما يواكب القواعد والمعادلات المرتسمة على الأرض، وبما يتلاءم مع المتغيرات والتطورات المتراكضة التي تحاول أن تصوغ وجهاً جديداً للمشهد برمته.