وسائلها خبيثة تتسرب خلسة إلى بيوتنا عبر جهاز سحري له تأثير عجيب على النفوس و العقول ، و الأشد تأثراً شريحة الأطفال و الناشئة .. هم أمام الشاشة لأوقات طويلة فهل حضر إعلام الطفولة الوطني أم إنه غاب عنهم لينصرفوا إلى فضائيات غريبة عنا ، تحاول بشتى الوسائل أن تدس السم في العسل لتكون أباً غير صالح بالتنشئة الاجتماعية لأطفالنا في ظل أزمة أحوج ما نكون فيها لدعوة للتسامح والحب لبناء الوطن ؟!..
« شمس النور » تقرير طفولي مصور من إعداد الفضائية السورية تم عرضه في بداية الملتقى الإعلامي الوطني الأول للإعلام الطفولي و مهارات التواصل مع الأطفال الذي أقامته منظمة طلائع البعث بالتعاون مع وزارة التربية و الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون في مكتبة الأسد ، ترجم هذا التقرير ما يعانيه أطفال سورية كتلاميذ و طلاب مدارس في ظل الأزمة و التحديات التي تحيط بمسيرتهم التعليمية تحت شبح العنف الذي يتربص بأسوار مدارسهم .
صورة الطفل في إعلامنا
إنهم أطفال عركتهم الأزمة و كبروا قبل أوانهم ، ظهروا على وسائل الإعلام في صور مؤثرة كضحايا حرب و فئات عاجزة ضمن قوالب نمطية .. لقد قاربت الأزمة على الثلاث سنوات و إيقاع برامج الأطفال لم يتغير .. الملتقى سلط الضوء على واقع الإعلام الموجه لأطفالنا وسط اتهامات بتقصير شاشتنا الصغيرة بحقهم و إيلاء الاهتمام لبرامج سياسية تواكب الأزمة لا مكان للصغار فيها ، أجمع الحضور من محاضرين ومشاركين أنه من الضروري بمكان الاهتمام بشريحة الأطفال الذين يعدون الخاسر الأكبر في هذه الأزمة ، بل هم ضحية عنف و إجرام ينتشر في كل مكان يحيط بهم ، ما أذى نفسيتهم و ألقى ببعضهم ببيئة يسودها الفقر والخوف ..
و هنا تساؤل يطرح نفسه .. لماذا لا يتم إطلاق محطة خاصة بالأطفال على الصعيد المحلي تحاكي قيمنا و مبادئنا الاجتماعية و الوطنية ، في وقت تتكالب المحطات الفضائية الأخرى لاستهداف أطفالنا لزعزعة انتمائهم و تحريضهم على العنف و اعتناق عادات غريبة عن مجتمعنا السوري .
برامج محلية لا مستوردة
طرح المشاركون عدة تساؤلات تناولت أسباب ضعف إنتاج البرامج المخصصة للأطفال و تجاهلها للكثير من حاجات الطفل و خصائصه النفسية ، فأكثر البرامج يتم استيرادها لتقدم مترجمة و مدبلجة ، في حين يمكن تخصيص قناة تربوية تجذب أطفالنا و تستهويهم ، لتكون قناة تربوية و ترفيهية مسلية بعيداً عن الإلقاء و الدروس الجامدة ، تحت إشراف متخصصين تربويين و نفسيين على خبرة بأقنية التواصل مع عالم الطفل ، بحيث تنافس المحطات العربية و الأجنبية ، لننأى بالطفل عن برامج تحمل ماركة مستوردة لها رسالة مشبوهة و غايات غير بريئة .
أهمية كبيرة يحظى بها هذا الملتقى في ظروف يجمع بها المسؤولون و المتخصصون على خصوصية هذه المرحلة من عمر الطفل ، و أهمية التصدي لذاك السيل الجارف من الإعلام و ضخ المعلومات عبر وسائل إعلامية متنوعة ، و أن يتم تخصيص مساحة واسعة للطفل في إعلام يعالج آثار الأزمة ويقي من حرب إعلامية تستهدف بناة المستقبل ..
في تصريح للدكتور هزوان الوز وزير التربية تحدث عن الإعلام ووصفه بأنه سلاح فتاك لذلك ينبغي استخدامه بشكل صحيح ليكون دوره أكثر فعالية خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها سورية ، و بالأخص الإعلام الطفولي الذي لم يأخذ دوره كما ينبغي و هناك تقصير بحقه و المساحة المخصصة للأطفال في قنواتنا التربوية قليلة جداً هذا إن لم تكن معدومة، فالقنوات التربوية لم تحقق الفاعلية المطلوبة من إحداثها لتواجه التشويه الذي لامس القيم الطفولية ، فقد تم تشويه الكثير من القيم ونما الفكر المتطرف الذي كان من أخطر نتائجه تنمية الغرائز بدل المنطق والعقل ، ما يؤدي في حال توفر بيئة ذهنية انفعالية لها إلى سهولة انقياد أطفالنا بتحريض من بعض القنوات الإعلامية المغرضة الشريكة الأساسية في الهجمة الشرسة التي تشن على سورية..
وأضاف د . الوز : تحديات كبيرة واجهت القطاع التربوي بكوادره و أطفاله بسبب استهدافه المباشر ، و رغم ذلك فقد تم إقلاع العام الدراسي بموعده وهذا كان هو رهان الوطن الرابح ، وبقدر ما تكون تنشئة هؤلاء الأطفال سليمة بقدر ما يكون مستقبل مشرق لسورية ، و هذا لا يتم إلا بالتعاون والتنسيق بين جميع الوزارات والمنظمات والجهات المعنية من أجل النهوض بواقع الطفولة وقضاياها المهمة .
و حول دور الإعلام في ملامسة قضايا الطفولة في هذه الظروف أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح في تصريح للإعلاميين أن وزارة الثقافة معنية بتنشئة الأطفال وزرع القيم النبيلة في نفوسهم ، ووزارة الثقافة سعيدة بالتعاون مع وزارة التربية في مرحلة الوطن بأمس الحاجة فيها إلى التعاون و تشابك الأيدي لزرع الأخلاق النبيلة والمحبة في نفوس هذا الجيل الصاعد ، و لا شك أن هناك قنوات تربوية تعنى بالأطفال ولكن الإعلام يجب أن يخصص حيزاً كبيراً من وقته لمخاطبة الشباب و الجيل الناشئ لأنهم الشريحة الأوسع بمجتمعنا ، لا أن تحجز المساحة الأوسع للمحللين السياسيين .. و كذلك ينبغي التوجه للمرأة التي تعد عماد الأسرة فهي المربي والمنشئ ، والعمل على مخاطبة كل أفراد الأسرة بأدوات تخاطب العقل والنفس بلغة العصر وليس بلغة ممجوجة بآلية يرفضها العقل أو بالأدوات المباشرة ، ولا شك أن الإعلام السوري قد خطا خطوات لابأس بها بهذا المجال ، كما أشارت د. مشوح إلى ضرورة العمل للتشبيك بين كل الوزارات ، فالتشبيك يؤدي إلى التكامل الذي يعد أمراً ضرورياً في هذه المرحلة ، للوصول إلى واقع إعلامي يتسم بلغة عصرية بأدوات متطورة توفرها التقنيات الحديثة .
تكريس القيم الإنسانية و الوطنية
و في لقاء مع الدكتور خلف المفتاح عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي - معاون وزير الإعلام أكد أن للإعلام دوراً كبيراً ليس في نفسية الطفل فقط ، و إنما في تشكيل وعيه البصري و موقفه تجاه الكثير من القضايا و المشاهد التي يراها على الشاشة ، و التي يمكن أن تؤثر على سلوكه و نفسيته ، لذلك على الإعلام يكرس المزيد من القيم و إظهار البعد الإنساني و الإيجابي في إطار من المفاهيم الدينية والأخلاقية ، كي لا تتشكل لديه صور انطباعية يراها بشكل مغاير لما يقرؤه أو يراه على الشاشة ، و الإعلام التربوي له دور في هذا المجال من خلال مواقف سلوكية و أعمال فنية يساهم بها الأطفال للتخفيف من الآثار السلبية للأزمة .
و لفت الدكتور عزت عربي كاتبي رئيس منظمة الطلائع إلى أنه آن الأوان كي نولي إعلام الطفولة كل الاهتمام باعتباره من أهم عوامل التنشئة الاجتماعية ، و أهمية تضافر جهود المختصين لتحديد الخصائص النفسية للأطفال المتلقين للرسائل الإعلامية ، لتحصينهم من الإعلام المعادي الذي يستهدفهم ، و مساعدتهم على تجاوز مشاهد العنف ، و أكد د.كاتبي أن أهمية الملتقى تنطلق من التطلع لإعلام وطني يسهم بالوقاية و العلاج لما يتعرض له أطفالنا و ما يترتب عليه من آثار سلبية ، و الوصول إلى مقترحات و توصيات و حلول عملية لتطوير الإعلام السوري الطفولي ، و تحديد مدى تأثير وسائل الإعلام على أطفالنا ، و وضع أساليب معالجة المشكلات ومكافحة الظواهر السلبية و تعزيز السلوك الإيجابي لدى أبنائنا لتعميق مفاهيم التربية الديمقراطية وثقافة المواطنة والتواصل الحضاري .
وعن أهمية وضع ضوابط للإعلام الطفولي أكد وضاح سواس - رئيس مكتب التربية التقنية و المعلوماتية - المشرف العام على الملتقى في لقاء مع الثورة أن ما سينتج عن الملتقى من نتائج و توصيات سيحظى باهتمام المعنيين و الجهات المسؤولة عن الإعلام و سيبنى عليه الملتقى الثاني ، فمن المهم جداً تحديد ضوابط و إطارات للإعلام الموجه للطفل ، و تابع بالقول : نحن كمنظمة طفولية أمام إعلام مفتوح شوه التاريخ والواقع و حرض على العنف ، و منظمة الطلائع ليست وحدها المعنية بل نحن بحاجة للتشاركية ، و الإعلام يلعب دوراً أساسياً إضافة للجمعيات المعنية بالطفل ، و معاً نشكل حصناً يحمي الطفل من سيل إعلامي جارف ، و نحن نسعى لتطوير برامج الأطفال و لدينا استراتيجية لتنويعها و إغنائها ، والآن لدينا توجه لتخصيص الطفل ببرنامج مدته خمسون دقيقة على قناة تلاقي ، كما ينبغي التأكيد على دور الأسرة في حماية الطفل وتحديد ضوابط لما يشاهد أطفالهم .
تضافر جهود
و تحدث ماهر الخولي مدير قناة تلاقي - ممثل الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون عن أهمية الملتقى في ظل الظروف الراهنة و إلى أي مدى ساهم الإعلام في بناء تفكير جديد سليم يكون فيه أطفالنا أصحاب فكر ، بعيداً عن الصور المشبعة بالدماء و الحقائب المدرسية الممزقة و أصوات القصف و رائحة البارود و مشاهد الموت ، و تابع بالقول .. نحن بحاجة إلى تضافر جميع جهود المشاركين في هذا الملتقى من اختصاصيين وإعلاميين و بالطاقة القصوى و الخروج بمقترحات فعّالة وبنّاءة يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، ونطالب المعنيين أن يبذلوا أقصى ما عندهم لبناء جيل واعد قادر على بناء سورية ، و علينا الآن أن نساندها في محنتها و نكون معها في ولادتها الجديدة ، ونحن في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون نعدكم أن نقدم أقصى ما لدينا لإنجاح كل المبادرات التي تعنى بالطفولة من أجل سورية أحلى .