وسكانية « ديمغرافية « بغرض التهويد والاعتداء الكامل على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في أرضه، لكن سياسة الاستيطان التوسعية التي تنتهجها إسرائيل لم يكن ليكتب لها الاستمرار لولا الدعم والتشجيع الأميركي اللا محدود من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة التي أعطت دوما الغطاء تلو الآخر للكيان الصهيوني للمضي قدما في سياسته الاستيطانية تلك.
ففي عام 1992 تم تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل برئاسة اسحق رابين حيث تم اتفاق أولي مع إدارة بوش الأب بشأن المستوطنات، تغض خلاله واشنطن الطرف عن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، شرط تزويد واشنطن بمعلومات وثيقة حول خطط البناء، واستطاعت إسرائيل أن تحصل بموجبه أيضا على منحة مالية أميركية قدرها 10 مليارات دولار لتكملة بناء 11.000 ألف وحدة سكنية في المناطق المحتلة شملت استيطانا غير محدود في القدس وعلى خطوط المجابهة، حسب ما أشارت إليه صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
هذا الاتفاق والذي وصفته إدارة بيل كلينتون بأنه جيد، خلق خطوطا عامة لسياسة الولايات المتحدة حول بناء المستوطنات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي وافقت واشنطن رسمياً على بناء المستوطنات في المناطق المحتلة وخلقت حدودا واسعة لنشاطات البناء من قبل إسرائيل تسمح بتوسع استيطاني و«بنمو طبيعي» غير محدود، لأن الولايات المتحدة توفر إلى الآن دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل وسياسياً في المحافل الدولية تجلى في استعمالها حق النقض مرات عديدة في مجلس الأمن، تخطت الفيتو رقم /39/ خدمة لإسرائيل للحيلولة دون إدانة هذا الاستيطان الذي يشكل عارا أبديا «للديموقراطيات» الغربية ، استخدمته مرتين متتاليتين خلال أسبوعين من شهر آذار لعام 1997 على مشروع قراري مجلس الأمن الدولي بشأن إدانة سياسة إسرائيل الاستيطانية وعدم التزامها بالاتفاقيات الدولية، ومساعيها في تهويد مدينة القدس المحتلة.
كما يتجسد الدعم الأميركي الباطل لهذا الكيان الغاصب والمحتل من خلال مطالبته بتمديد تجميد بناء المستوطنات لمدد معينة ولغاية محددة، وهذا المطلب يفتقد إلى الشرعية لتناقضه مع أحكام القانون الدولي العام التي تحرّم كل صور الاستعمار بما فيها الاستيطاني وتطالب من يمارسه المثول أمام القضاء الدولي في لاهاي، ما يجعل إسرائيل وأميركا في دائرة الإجرام الحقيقي لممارسته من قبل الأولى، ولأن الثانية تبيحه بدليل تجميده مرحليا ليعاود نشاطه الاستيطاني على الأرض الفلسطينية.
ورغم الدعوات الدولية لتجميد نهائي لكافة النشاطات الاستيطانية ، إلا أن تقارير أوردت أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين اتفقوا على عدد من النصوص الغامضة التي تبدو وكأنها تعمل على تقييد الاستيطان بعكس ما ينافي الحقيقة التي تسمح لإسرائيل بتوسيع المستوطنات غير القانونية، وتضمّنت هذه النصوص الغامضة تاريخياً ما يلي:
1- «لا مستوطنات جديدة» بينما الخطط الكبرى للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية أكبر بكثير جغرافياً من المناطق المبنية على أرض الواقع، فهي تُشكّل تقريباً 2.6% من الضفة الغربية المحتلة فيما تُقدّر مساحة مناطق صلاحيتها البلدية والإقليمية بـ 42% ، ونتيجة لذلك تقوم إسرائيل ببناء وحدات سكن جديدة في مناطق الخطط الكبرى بينما تدّعي أن هذه الوحدات لا تُشكّل «مستوطنات جديدة» بل «أحياء جديدة» للمستوطنات الموجودة.
2- «لا مزيد من نزع ملكية الأراضي»، وهذا التعبير يُضفي غموضاً على الاختلاف بين نزع ملكية الأراضي والمصادرة الفعلية لها، فمن خلال أوامرها العسكرية نزعت إسرائيل «قانونياً» ملكية كل أو معظم الأراضي التي تسعى للسيطرة عليها والطرق الالتفافية التابعة لها بما يمكنها من الاستمرار في الاستيلاء على الأراضي أو منع الفلسطينيين من استخدام أراضيهم الخاصّة بالإعلان أنها «أراضٍ متروكة» أو «أراضي دولة»، ووفقاً لقوانينها غير الشرعية فإن الفلسطينيين الذين غادروا الضفة قبل أو خلال أو بعد حرب عام 1967 اعتبروا غائبين وأن أراضيهم «متروكة»، كما أعلنت معظم الأراضي التي لم تكن مسجّلة بملكية خاصّة منذ عام 1967 أنها أراضي دولة.
3- «لا مزيد من نزع ملكية الأراضي للبناء»، وهذا التعبير الغامض يمكن إسرائيل من الاستمرار في نزع ملكية الأراضي لإقامة البنى التحتية الاستيطانية طالما لا توجد «أعمال بناء»، بحجج أو مبررات أمنية أو عسكرية أو غير ذلك.
4- «لا أعمال بناء تتجاوز خط البناء» أو «البناء الأفقي، وليس العمودي»، وهذا التعبير غامض لأنه لا يُعرّف «خط البناء»: هل يتضمّن خط البناء على الأراضي بين «الأحياء» البعيدة لذات المستوطنة، أوبين الطرق والوحدات السكنية المبنية؟، ويسمح هذا النص الغامض لعدد غير محدد من المستوطنين الجدد بالتدفق إلى الأراضي المحتلة شريطة أن يُقيموا داخل «خط البناء» الغامض والعشوائي، وما يتبعه في ذلك بخلق المزيد من «الحقائق على الأرض» ممّا يستدعي بناء المزيد من البُنى التحتية، كُل ذلك على حساب السكان الفلسطينيين الأصليين.
5- «لا حوافز اقتصادية حكومية خاصّة للمستوطنات»، وهذا يسمح للمستوطنين غير القانونيين بالاستمرار في تلقّي الحوافز الاقتصادية (مثل الإعفاءات الضريبية وإعانات الرهن العقاري)، وبتقديم التمويل الخاص والحوافز التي أدّت إلى البناء الاستيطاني.
6- «النمو الطبيعي»، يسمح بتوسيع المستوطنات بحجّة «النمو الطبيعي»، لكن نسبة النمو في المستوطنات ليست «طبيعية»، بسبب الحوافز المالية وغيرها، ونتج عن اتفاق عام 1992 الذي وافقت إسرائيل بموجبه على اقتصار توسيع المستوطنات على «النمو الطبيعي»، نِسَب غير مسبوقة من البناء والتوسّع في المستوطنات، وصلت في عهد رابين أعلى من أي نسبة خلال 26 سنة سابقة من الاحتلال، فيما عمد بنيامين نتنياهو إلى زيادة أعداد الوحدات السكنية بنسبة 100% في عام 1998 إلى 4210 وحدات سكنية.
إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات واتباع سياسة الإبعاد في الأراضي المحتلة بدعم أميركي لا محدود يعتبر تحدياً سافراً للقواعد والمعايير المطبقة في القانون الدولي، وهذا يعري واشنطن ويظهرها عاجزة عن اتخاذ موقف جاد، نظرا لمبدأ الانحياز الكامل الذي تقوم به والذي لا يشجع على اعتبارها راعياً «نزيهاً» في العملية السلمية ما يعرض العملية السلمية برمتها للفشل.