التي باتت تدغدغ أحلام بعض ساستها، ممن راحوا بعيدا في السعي بتلك المخططات وفي تنفيذها دون أن يعوا ما يدور خلف كواليسهم من أجندات تستهدف بلادهم كما سواها من دول وشعوب المنطقة، وظنوا أنهم سيحققون مبتغاهم دون أن يدركوا أنهم أدوات لا أكثر في تنفيذ ما رسم لهم في الدوائر الغربية ويعملون وفق ما يحقق أطماع الغرب ومشاريعه في المنطقة، فساروا كغيرهم ممن مشى معهم بغريزة القطيع في ركب مشغليهم ضاربين عرض الحائط بكل الوثائق والعهود التي قطعتها تركيا على نفسها في العهد الجديد بتصفير المشكلات مع دول الجوار .
تطلعات الغرب إلى المنطقة أخطر بكثير من استهداف هذه العلاقات التي كانت مثالا يحتذى بين الدول، فانخراط تركيا بالأزمة المفتعلة في سورية، وأخذ دور اللاعب الأساسي في تأجيج الوضع بالداخل السوري وتحريكه بما يحقق مطامع الدول الاستعمارية الغربية في المنطقة، أدى إلى وأد هذه العلاقات قبل إيصالها إلى حالة التوتر التي بدأت بالتصاعد تدريجيا بسبب الدور التركي الذي تقوده حكومة العدالة والتنمية الذي دفع للوصول إلى أعتاب مرحلة جديدة قد تؤدي - لولا التعقل السوري - إلى حد النزاع جراء الأحداث الأخيرة التي اختلقتها حكومة العدالة والتنمية بين البلدين للهروب نحو الخلاص الذي تعتقد به أو تتطلع إليه بعيدا عن أي اعتبار، متناسية أن تبعات ما يجري لن يكون بمنأى عن تركيا، إن لم تكن الخاسر الأكبر من تداعيات ما رسم للمنطقة دولا وشعوبا، والتي بدأت بعض ملامحها تظهر الآن على الساحة التركية والتي تجلت برفض الشعب التركي لهذا الدور وللمخططات التي تستهدف المنطقة برمتها.
التخوف الحقيقي من احتدام التوتر وتصعيد الوضع المتأزم بدأ بالظهور لأن ما جرى ويجري على الأرض يرسم ملامح يخشى منها أن تصل إلى بوادر نزاع إقليمي يهدد المنطقة جراء غطرسة الحكومة التركية وتحركها المقصود والمبالغ فيه والذي يسعى للهروب إلى الأمام نحو الخلاص من تداعيات الأزمة في سورية التي كبدت تركيا خسائر اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة، فحكومة العدالة والتنمية التي انصاعت للخارج دون اعتبار لما يجري في الداخل التركي من رفض للرضوخ الأعمى لسياسات الغرب، بدأت تمارس عربدتها من خلال شرعنة القرصنة التي تقوم بها في محاولة منها للتعمية وتضليل الرأي العام عما يجري من تزويد المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية بالسلاح، ومن إرسال المسلحين بعد تدريبهم إليها أملا في تحقيق أي شيء مهما كان السبب حتى ولو على دماء جميع السوريين.
لقد زاد الصراخ التركي بعد فشل الإرهابيين في تحقيق أي شيء يذكر على الأرض وبعد تخلي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يواجه مقاومة شعبية في الداخل التركي تسعى لوقف التهور السياسي لحكومته الذي أوصل تركيا حد التأزم جراء ازدياد الديون الخارجية والبطالة والوضع الاقتصادي المزري والأخطر التدخل بشؤون الجوار على حساب علاقات الجيرة وانعكاس ذلك سلبا على الشعب التركي الذي بدأ يحصد تبعات الأخطاء التي ترتكبها الحكومة التركية .
أردوغان المحرض الأساسي للحرب على سورية والذي لم يدخر جهدا في جر الناتو لشن حرب عليها رغم فشله المتكرر في ذلك، زعم أن قرار البرلمان التركي الذي أجاز شن عمليات عسكرية - دون أي اعتبار للتحرك الشعبي في الداخل التركي لرفض الفكرة أساسا - هدفه الردع وأن بلاده لا تريد بدء حرب، مع أن مساعيه في ذلك لم تتوقف، وخاصة أن المأزق الذي وضع فيه تركيا بات يلاحقه في كل مكان ولم يعد يعي ما يجري حوله، ، بعد أن عاش حالة من الهستريا مازالت تعشش في ذهنه لدرجة أوصلت الشعب التركي الذي حاول أردوغان مرارا وتكرارا تضليله عن مجريات الأحداث في سورية وعن الدور الذي يقوم به وحزبه فيها، إلى التوحد لمحاسبة حكومة العدالة والتنمية ولإيقاف سياستها المتبعة وحالة الانعطاف التي أوصلت تركيا إلى ما هي عليه من تصفير للعلاقات مع دول الجور، والتي تؤيدها في ذلك الولايات المتحدة التي تبغي جرها إلى أتون حرب لا ناقة لتركيا فيها ولاجمل.
القلق في الداخل التركي بدأ يتزايد لإدراك الشعب حجم المخاطر التي يمكن أن تؤدي ببلادهم إلى ما لايحمد عقباه، ما لم ترتدع حكومة أردوغان المتعنتة وتعود عن النهج الذي سارت به بما يعارض المصالح التركية، ما دفع الأمر إلى تعالي الأصوات بوجه أردوغان وحكومته معبرة عن قلقها من انزلاق البلاد إلى حرب شاملة يمكن أن تمتد آثارها عبر الحدود، وبعد أن ازدادت المخاوف من تورط عسكري أكبر في سورية التي دفعت آلاف الشهداء بين مدني وعسكري كان لتركيا الدور الأبرز في إيصال الأمور إلى الأسوأ، وهذا ما حرك الشعب التركي للخروج إلى شوارع اسطنبول في مظاهرة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وضد أي تحرك ينذر بالحرب ورفع شعار «لا للحرب» ، كما هتف تحت سمع وبصر شرطة مكافحة الشغب («العدالة والتنمية» يريد الحرب.. الشعب يريد السلام )، ودعت أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني التي عبرت عن هواجسها إلى تنظيم مزيد من الاحتجاجات في اسطنبول، وسط خشية البعض من سعي قوى خارجية لدفع تركيا نحو الصراع بغية استخدام أنقرة لتحقيق مصالح خاصة على حساب تركيا دولة وشعبا والتي بدأت تنعكس نتائجها سلبا عليها.
ترى هل تقدم حكومة أردوغان التي ضحت بعلاقاتها مع جيرانها، حزب العدالة والتنمية قربانا للغرب، أم إنها تؤثر تقديم تركيا بكاملها كقربان !؟.