وجاء تحديد هذا الموعد مُرتبطاً بما سمّاه الخط الأحمر لإمكانية حصول إيران على تخصيب يُتيح لها إنتاج قنبلة نووية على حدّ اعتقاد نتنياهو وتوقعاته. مثل هذا الأمر الذي قام به نتنياهو غير مسبوق، فعلى سبيل المثال لم تفعل ذلك باكستان تجاه جارتها النووية الهند، ولم تفعل ذلك كوريا الجنوبية تجاه توءمها كوريا الشمالية.
يعتقد نتنياهو ومعه كثرة من اليمين الإسرائيلي الأشدّ تطرّفاً في تل أبيب أنَّ التلويح بالحرب والتهديد بها، وصولاً إلى الإعداد لها، هو أفضل وسيلة لردع طهران عن طموحاتها النووية.
إلى ذلك، لم يَسْبق أن وقعت مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب، لكن إسرائيل لا تتردّد في اختيار أهداف لها في بلدان بعيدة عنها، كما جرى عندما دمرت المفاعل النووي في العراق، وعندما هاجمت موقعاً في سورية ادعت أنّه منشأة نووية. كذلك سبق أن قامت تل أبيب عن طريق الموساد الإسرائيلي باغتيال علماء إيرانيين على الأرض الإيرانية وخارجها، وهو ما لم تنفهِ حكومة إسرائيل ذاتها.
على ما يبدو، فإن الخلاف الظاهر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ينحصر الآن في أنَّ واشنطن ترفض تقديم غطاء علنيّ لأي هجوم إسرائيلي مُحتمل على إيران لتدمير منشآتها النووية، لكنها – أي واشنطن – لن تقف ضد الهجوم إذا ما حصل، كما ترفض الولايات المتحدة المشاركة من جانبها بأي هجوم. وهنا، فإنّ اختيار نتنياهو للربيع القادم موعداً لتنفيذ حكومته هجومها المفترض قد أخذ في عين الاعتبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تكون حينذاك قد انتهت، وتسلّم الرئيس مهامه رسمياً.
هذا، وتتحدث مصادر أمريكية عن أن تل أبيب لا تحيط حليفتها الأساسية الولايات المتحدة الأمريكية بأسرارها العسكرية المتعلقة بالهجوم على إيران، ما دامت واشنطن ليست شريكة في هذا الهجوم الذي يتمُّ الإعداد له، غير أن ذلك لا يغيّر في الأمر شيئاً، فواشنطن لا ترغب في المشاركة بهجوم على إيران قد يتسبّب بحرب شاملة يمتدّ نطاقُها إلى العراق ودول أخرى في الخليج العربي، حيث تتواجد قواعد عسكرية لها في هذه الأمكنة ستكون عرضة لاستهدافها بشكلٍ أكيد، ولكن في الوقت ذاته لا تُمانع في أن تُجرّب تل أبيب حظوظها باستهداف منشآت نووية إيرانية، مع الاستعداد الأمريكي لتقديم خدمات ومساعدات «دفاعية» لإسرائيل في حال تعرضت لهجومٍ مناوئٍ من إيران أو من حزب الله، إلا أنَّ هذا الموقف الأمريكي لا يُرضي الحليف الإسرائيلي، ذلك أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطلب من الولايات المتحدة وبالسرعة القصوى تحديد خط أحمر، يُصار عند الوصول إليه إلى شنّ الحرب على إيران من الطرفين الأمريكي والإسرائيلي معاً وبدعم حلف شمال الأطلسي .. ولا يكتفي /نتنياهو/ بذلك، بل يصف هذا المطلب بأنّه خطوة ضرورية لمنع الحرب! وهنا تكمن نقطة الخلاف، وما يُوصَفُ بأنه توتّر بين البيت الأبيض الأمريكي ونتنياهو.
هذا هو المشهد الذي يرتسم الآن علماً بأن إسرائيل تحاول باستمرار إبقاء ما تسميه الملف الإيراني النووي تحت الضوء، إن صح التعبير، وإيهام العالم بأنَّ السلاح النووي الإيراني سيشكل خطراً ليس على إسرائيل ولا على منطقة الشرق الأوسط، بل على العالم أجمع، أمّا سلاحها النووي الذي تمتلكه منذ عقود، فغيرُ مسموحٍ لأحد حتى مجرّد الكلام عنه، وليس الاعتراض على وجوده، بحجة أنَّ إسرائيل مُستهدفة من قبل جيرانها العرب، علماً بأن مثل هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، فمنذ قيام كيانها على أرض فلسطين، وهي تشنّ الحروب على العرب واحدةً بعد الأخرى، فضلاً عن اعتداءاتها الفردية على جيرانها من الدول العربية بين الحين والآخر.
على أي حال، فإنّ مثل هذا التصعيد من قبل إسرائيل يساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في شدّ أعصاب الكيان الصهيوني، وزيادة درجة التوتّر داخله، ولكن في هذه المرة، فإلى جانب ازدياد التوتر واتساع نطاقه، فإن الجمهور الإسرائيلي تزداد شكوكه حول نتائج أيّ مواجهة مُحتملة، وتخوّفه على وجود الكيان الصهيوني ذاته كما أشار إلى ذلك استطلاعٌ أجري مؤخراً، حيث أفاد بذلك أكثر من نصف الجمهور الذي شمله الاستطلاع، وهو توجّه لا سابق له لدى جمهور تعوّد أَنْ يقف خلف حروب جيشه وغزواته، كما أن هذا التوجّه يحمل بين جنباته مؤشرات واضحة على أن تهديدات نتنياهو بشنّ حرب بعيدة عن الحدود لا غطاء لها في الداخل الإسرائيلي.
ونحن بدورنا نقول أنه يحق للجمهور الإسرائيلي أَنْ يقلق، في ضوء قناعات وآراء بعض أصدقاء إسرائيل، فعلى سبيل المثال، فإن الثعلب العجوز «كيسنجر» رأى في منامه سحابة تمطر الصهاينة بتذاكر سفر، فيحزمون حقائبهم وأمتعتهم ويغادرون في صفوف منتظمة .. إنّ من عيوب /كيسنجر/ أنه مُغرم بالتصريحات المُدويّة، ولكن يبدو أنه لم يُخرِّف إلى هذا الحدّ، وبشكلٍ عام لم يُعرف عنه أنه يطلقُ بالوناتٍ فارغةً، حين قال: « إن إسرائيل لن يكون لها وجود بعد عشر سنوات». فماذا يتخيّلُ من سيناريوهات؟!
وها هو من خلال حلمه ينضمُ إلى «آينشتاين» القائل حين عرضوا عليه جواز سفر الكيان الصهيوني: «أنا لا أقبل جواز سفر مؤقتاً»، أما الجنرال «ديغول» الذي دعاه الصهاينة مراراً إلى زيارة فلسطين المغتصبة فقد قال: «أنا لا أزور دولة مصيرها إلى زوال».
إنها تصريحات وأقوال لرجال تزنُ عقولهم الجبال كما يُقال ... إلى جانب ذلك، فالحياة لها مقومات لا تملكها الدولة المفروضة على المنطقة بقوة السلاح، ولا تستطيع أي دولة البقاء إذا كان لها هدف وجودي وحيد هو الحرب، ولا يكتب دوام البقاء لدولة يقوم فكرها على الحقد والكراهية وإلغاء الآخرين، وهذا ما ينطبق على إسرائيل. ويوماً بعد يوم، يكتشف الصهاينة أنهم تجاوزوا كل الحدود في الحقد على الشعوب، حتى صاروا يكرهون أنفسهم، وصار السلام يشكل رعباً لهم ..! وهكذا، لا بد من التأكيد على حقيقة هامة، وهي أن دولةً تجلس على حراب البنادق مثل إسرائيل لا يُكتبُ لها البقاء على رأي الزعيم الهندي الكبير «غاندي»، ذلك أن موازين القوى تتغيّر في يومٍ ما فتكون النهاية.