تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تعاليم الغيمة النادرة؟

آراء
الخميس 25-10-2012
حسين عبد الكريم

أم الغيمات، وست المطر.. تطل على الكروم والأهالي المنتشرين بين المواسم وحاجات الأرض والتخوم والأشجار.. الجار (شهاب) واحدة من عينيه عوراء وتنظر نظرات مشاغبة مثل الطلاب الراسبين في درس الإملاء والرياضيات، لكنه حين تحضر الغيمة النادرة،

يقول: أجمل وأجلّ غيمة تأتي في موعد نحن بأمس الطلب عليها والحاجة إليها: الأوراق مليئة بالعطش، والثمار على شفاهها الغبار، والمزروعات عطبها الحرّ الشديد.. وتدور أحزان وخلافات بين الأزواج والزوجات والجيران والجارات.. ويقل الشغف والاشتياق بين المحبين والمحبات في غيابها تحصل فراقات وتنزف الجراح وتغادر القرى لتشتري الأغراض من المدينة، وتعود بلا تبضع.. حتى البحر الذي يضيف في المساء النساء ألفةً وترحيباً يبقى متلاصقاً بأساه وأسفه مادامت أم الغيمات وست المطر غائبة مبتعدة.‏

ليست منسية، لكن زحمة الوجع والأحزان تخلق جدراناً بين القلوب والآمال وبين الأسئلة والتفاؤل بالإجابات.‏

(ماسة) إحدى صديقات الأنوثة الراقية والرقة العالية والموجات في العشيات الهانية وجدت نفسها.‏

على غير عادتها حزينة تفر من أصابع أنوثتها الأناقة واللياقات، فلا تعرف أن تقول: صباح البحر أيها البحر، ولا مرحباً أيها العاشق الأنيق.. ولا أين أنتم أيها الأحباب والأهل الجميلون؟!‏

وجدت أحزاناً كثيرة تتجرج في الشوارع وتعبر باتجاه الجبال والسهول والتلال..‏

وكاد الموسم أن يتعثر ويتأخر وكادت لهجات اليأس أن تقضم حروف الأمل والفهم الحنون.. وكاد الوطن أن يتقاوى على أمانيه وكادت نساء كيسات ألا يكن الكيسات..‏

جاءت الغيمة أم الكل وست الكياسة، وحضرت معها الغيمات الأخريات والبروق، وكأن هذه الغيمات تهمل نفسها وحضورها أو تنسى دوامها الفصلي في حال غياب ست الحبايب.‏

حاملة تعب وحب الجميع، ولا تقبل أن تتأخر عن هذا السهل أو تلك المدينة أو ذاك المدى المترامي.. والناس في بالها وعطش المزروعات واحد من أهم اهتماماتها.. وتتحدث مع البروق والغيمات الأخريات بهذه التعاليم والمفاهيم: (ليس من طبع الأم أن تغفل عينها عن سهر ولد أو بنت أو تتهاون في تأمين مستلزمات أحزان غابة أو قرية أو مدينة..‏

من واجبها أن تشرب أنخاب الحب وأن تسقي الأنخاب وأن تحيي حفلات الوجدان والصفاء والعلاقات الراقية.‏

ومن محاسن الطباع أن تقوم الست بواجب الفتيات فتحسن تربية لطفهن وعزهن.. وفي الشدائد يحق لقلبها الكبير أن يظل كبيراً وجامع أهواء القلوب.‏

الفتاة في مفهوم الست السيدة قرية كرامات ومدينة عطاءات).‏

أطلت وأعطت ومازالت والـ (ماسة) وصديقاتها الـ (ماسات) وعدن قلوبهن بالعشق الظريف والوطن.. والـ (شهاب) عادت عينه إلى مزاولة النظرات السديدة.. وانطلقت الخطا والمواسم والشجرات.‏

والبحر هيأ المراكب والقوارب والسفن والسفر والأبناء والدموع التي ترصد في أفئدة المسافرين منسوب الخشية ومنسوب الوفاء للبقاء والإخاء..‏

تعود رويداً رويداً ومطراً مطراً وشجرة شجرة وبرقاً برقاً.. وفتاة فتاة.. ونظرة نظرة ومدينة وسهلاً وجبلاً وأهلاً..‏

تحمل في قلبها حباً شاملاً وأعمال اشتياق كاملة تؤلفها قطرة قطرة وسطر وجدان وسطراً وقناعة اخضرار وقناعة وفاق وتأمل.‏

الغيمة النادرة أم المطر السوري القديم والجديد.. وأم الأمطار المتبقية على عهدها مع الأرض العربية والفضاء الإنساني الشاسع.. إنها كرامة هذه الأرض الكريمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية