التكنولوجيا، والكشوفات، وكل ما هو جديد من الاختراعات أصبح يخترق عالمنا مع كل يوم جديد. عجلة تدور وتدور لا تقف ولا تعود الى الوراء.. وماذا بعد؟.. انعكاسات لهذا الجديد أصبحت تتجلى في تفاصيل حياتنا.. فتصبغها بألوان خاطفة أخذت بطريقة أو بأخرى تشكل وعياً جديداً.. وثقافة جديدة بالتالي ليست هي بالضرورة عالمية بقدر ما هي إفراز للحضارة المعاصرة.
من منا لم يتعلق بالفن السابع أي السينما، ومن بعدها التلفزيون، والشاشات تخطف شيئاً من الحياة لتجسده في أفلام واقعية أو غير واقعية أو قريبة منها؟.. المهم أن كلاً من هذه الأعمال يدخلنا في عالم نتخيل أنه واقع فنعيش من خلاله تجارب الغير إن لم تكن حيوات أخرى. ولعل تلك التجارب التي تلبس ثوب الحقيقة كان لها وما يزال تأثير ما في حياتنا بغض النظر سواء أكان هذا التأثير سلبياً أم ايجابياً.
ولكن هل هذا التأثير هو حكر على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة أم أن غزواً من شاشات أصغر حجماً وأسهل استخداماً أصبح واقعاً آخر نعيشه ونتعايش معه؟.. أجل.. هواتف نقالة سهلة الاستعمال.. صغيرة وبحجم كف اليد.. ومزودة بآلات تصوير دقيقة أخذت مؤخراً تزيح الشاشة العريضة كما الشاشة الفضية عن عرشها، وإذا بالتكنولوجيا الحديثة تتيح لكل منا أن يكون منتجاً ومخرجاً في الوقت ذاته.. أما السيناريو فهو ما تمليه الحياة.
في ابتكار حديث يتوافق مع إيقاع العصر أعلن عن مسابقة جديدة من نوعها يتقدم فيها المتسابق بفيلم قصير لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق، يتم تصويره بجهاز الهاتف النقال في لقطات من الحياة يبرمجها المتسابق، ويجعلها فيلماً ينضم الى أفلام عديدة تقام لها المهرجانات وترصد لها الجوائز، فيُعترف بها كأفلام حقيقية تختزل الحياة في دقائق ثلاث هي كامل مدة القصة التي ترصدها كاميرا الهاتف النقال من خلال حدث حياتيّ ما.
نحن نعرف في الأدب كيف شاعت القصة القصيرة كجنس أدبي حديث، ومن بعدها القصة القصيرة جداً، فهل أصبح على الساحة الآن الفيلم القصير جداً لنعترف به ونرصد له المهرجانات والجوائز؟
إنها الحياة إذن.. وكل حياة جديرة بأن يسلط عليها الضوء، ويكون فيها ما يمتع الآخرين، أو ينبههم، أو يحمل إليهم العبرة والموعظة.. ونتساءل هنا ماذا يمكن لتلك الأفلام القصيرة جداً أن تحمل لنا من لقطات لحياة كقارورة عطر مكثف؟
وإنه الذكاء أيضاً الذي يجب أن نُعمله لنلتقط لمحات من حياتنا أو حياة غيرنا يكون لها التأثير، وإلا فما الجدوى من تلك الأفلام؟ صحيح أن نبض الحياة آخذ بالتسارع لكن الحياة أصبحت أكثر تعقيداً، وأكثر كثافة لتغدو معها في كل لمحة قصة، وفي كل ثانية حكاية.
ويا ليت كلاً منا ينتبه الى سيناريو حياته.. ويقف عند محطات فيها.. ويرى هل بإمكانه أن يُدخل على هذا السيناريو تعديلات، أو أن يوجهه توجيهات جديدة، أو حتى أن يعقد مقارنة بين صور الماضي والحاضر ليستخلص العبرة والموعظة؟
ربما يأتي اليوم الذي تكون فيه آلات سحرية مخبأة في زوايا بيوتنا وحياتنا تلتقط لنا هذه المشاهد والصور بالسيناريو الحقيقي الذي مرت به، فنضغط مثلاً على زر في أي وقت نشاء لنستعيد ما مر معنا ولنتوقع ما يمكن أن يمر.
وربما عندما يأتي ذلك اليوم الذي تكون الحياة قد أصبحت فيه أكثر كثافة أو لزوجة لا تحتمل معها التقاط أي ملمح من ملامحها، أو لعلنا سنتحول جميعاً الى روبوتات أو أناس آليين يسبقون الزمن قبل أن يسبقهم.