ولكن الأخطر بين عوامل الإرهاب ، العوامل السياسية التي لم يتمكن الإرهاب السياسي يوماً من تحقيق أهدافه بتغيير الأوضاع القائمة.
بل ربما على العكس ، كان دائماً ينتج ردات فعل معاكسة لما كان يهدف إليه الإرهاب السياسي. صحيح أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي سارع للوصول إلى إقليم داغستان المضطرب ليعلن من هناك : أنه من الضروري أن ينال الإرهابيون جزاءهم.
لذا - كما قال ميدفيديف- ينبغي استخدام الشدة والحسم معهم في جميع الدول التي تواجه الإرهاب . ولكنه وفي نفس الوقت استدرك محدداً المهام الرئيسية المطلوب تحقيقها لمكافحة الإرهاب في القوقاز الشمالي الروسي على النحو التالي:
أولاً: تعزيز الأجهزة الأمنية وقوات الأمن، ثانياً: توجيه ضربات ساحقة للإرهابيين ومعاقلهم. وثالثاً: مساعدة من يقطعون العلاقات مع الإرهابيين ، ورابعاً وهو المهم: تنمية المنطقة اقتصادياً ورفع المستوى العلمي والثقافي لسكانها. ومن ثم تعزيز المجتمع المحلي اخلاقياً ومعنوناً. ولكن مالم يتحدث عنه الرئيس الروسي، هو تحليل الجهات المستفيدة سياسياً من العمليات الإرهابية، إن كانت محلية أم دولية.
وجاء تصريح سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي معلناً أن جهات إقليمية ودولية قد تكون وراء هذا العمل الإجرامي الذي ذهب ضحيته أكثر من مئة جريح وقتيل، وقد وصل عدد القتلى حتى الآن إلى أربعين ضحية، وهم من المدنيين الأبرياء . وشأن هؤلاء الأبرياء الضحايا مثل شأن الكثير من منفذي العمليات الإرهابية في موسكو وداغستان وغيرها من دول العالم، ربما لا يعرفون الأهداف السياسية لعملهم الإرهابي، فهم مجرد فتية أو فتيات في ريعان الشباب، غسلت أدمغتهم بالحقد والكراهية مع إدخال بعض جوانب الوعي الديني والايديولوجي المنتقى من سياقه النصي في الكتب السماوية وخاصة الدين الإسلامي الذي يرفض قتل النفس البشرية البريئة، ولكن مخططي العمل الإرهابي يعرفون جيداً كيف يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم الخاصة، وهم أكثر الناس بعداً عن الدين الإسلامي وتعاليمه، وإلا كيف يمكن تفسير أن يقود العمليات الإرهابية في القوقاز رجل مثل سعيد بورياتسكي وهو روسي اسمه الحقيقي الكسندر تيخوميروف، المرتبط ببعض شبكات الاستخبارات الأجنبية، وخاصة الـ «SIA» السي - اي- ايه الأمريكية. والذي قتل على يد الاستخبارات الروسية قبل شهر من عمليات أنفاق موسكو الأخيرة؟ ولا يخدعنا هنا استنكار الولايات المتحدة لهذا العمل الإرهابي، فالكثير من المجموعات الإرهابية تمتلك أسلحة ومتفجرات وعدة العمل الإرهابي وهي من صنع أمريكي وإسرائيلي، يتم ايصالها إلى هذه المجموعات عن طريق جورجيا وغيرها من الدول السائرة في فلك الولايات المتحدة الأمريكية وفي ضوء ذلك يمكن تفسير سفر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إلى فنزويلا والتوقيع على ثلاثين اتفاقية مع الرئيس هوغو تشافير، ووالتي وصفتها بعض الصحف الأمريكية والغربية، بأنها ردة فعل روسية واتهام غير مباشر لواشنطن بأنها قد تكون وراء تفجيري مترو إنفاق موسكو، أملاً في أن يشكل هذا العمل الإرهابي ، ضغطاً على القيادة الروسية لتقدم المزيد من التنازلات فيما يتعلق بالتوقيع على اتفاقية تقليص الأسلحة الهجومية الصاروخية الاستراتيجية (سالت-2) دون أن تطالب بالمقابل بتوقف أمريكا عن مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية وأن تغير موقفها تجاه إيران، وتسير في الطريق الذي ترغب واشنطن بالسير فيه نحو فرض عقوبات شديدة وقاسية على إيران والتي مازالت روسيا والصين ترفضانه.
ولكن زيارة بوتين لكراكاس العاصمة الفنزويلية هو جواب واضح من روسيا بأنها ترفض الإملاءات الأمريكية وربما سيكون التوقيع على (سالت 2) ، لن يقيض له النجاح كما تريد واشنطن ربما هذا هو السلوك الخاطئ الذي ترتكبه واشنطن دائماً، بتوظيفها الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية، وإذا ما نجح السلوك مؤقتاً فإنه من وجهة النظر الاستراتيجية سيمنى بالنكسة والهزيمة، فالشعوب ترفض دائماً الإرهاب بكل أشكاله وأساليبه لأنه جريمة موصوفة، ضحاياه دائماً هم الأبرياء، ما يثير غضب المجتمع الإنساني العالمي على الإرهاب وعلى من يقف وراءه من السياسيين المغامرين فاقدي الحكمة والعقل، والمستعدين للإرتكاب أفظع الجرائم والمهم تحقيق غاياتهم الدنيئة.