|
العراق في سنة الاحتلال الثامنة شؤون سياسية والتدمير والاعتقالات وفقدان الإنسان العراقي لأبسط مقومات الحياة (الأمن والماء والكهرباء والوقود وكل الخدمات الضرورية في الحياة المعاصرة) ومع ذلك فالتاريخ سجل للعراقيين الأوفياء أن مقاومتهم الاحتلال الأميركي الغاشم كانت الأسرع في التاريخ الإنساني كله، ففي شهر نيسان ذاته من عام 2003 كانت المقاومة تسجل بداياتها القوية في مواجهة المحتلين والتصدي لمشروعاتهم التقسيمية والتمزيقية- وفضح أهدافهم المتجسدة في إنفاذ المخطط الصهيوني (لتقسيم وادي الرافدين كمقدمة لتقسيم الوطن العربي كله- وعدم الاكتفاء بتقسيم «سايكس بيكو» وإثارة النعرات العرقية والطائفية والمذهبية وتغذية نوازع الجشع والجريمة ونهب الثروة الوطنية على كافة المستويات وفي طول العراق وعرضه وإشاعة الاقتتال بين أبنائه كافة. لقد عمد الاحتلال-بداية- إلى تدمير الكيان العراقي والدولة العراقية التي كان لها من العمر أكثر من ثمانين عاماً- فبدأ بحل الجيش العراقي، والأجهزة الأمنية وكل قواعد ومسندات الاستقرار ومعالم ومؤسسات (الدولة) بما في ذلك تدمير البنية التحتية للعراق، إن الاحتلال لم يقم (برغم ادعاءاته وأكاذيبه) بإعادة بناء مادمرته صواريخه وطائراته ودباباته وآلياته وجنوده بل عمد إلى توسيع وبناء المزيد من السجون والمعتقلات في العراق كله ليمارس هواية التعذيب والقتل، كما أنه أسهم في النهب والسلب عبر شركاته وباستباحة دماء وبيوت وأملاك العراقيين عبر (منظماته وشركاته الأمنية) وفي المقدم منها (بلاك ووتر) وعمم المذابح في العراق فجعله سجناً كبيراً للعراقيين- ودفع بما أوجده وشجعه ومارسه بمئات الآلاف من أبناء العراق إلى مغادرة العراق طلباً للأمن.. وتسبب في إحداث موجات لجوء للعراقيين في داخل العراق بحيث وصل عديد المهجرين في الداخل إلى مليونين وفي الخارج إلى نحو أربعة ملايين. ولكي لانذهب بعيداً يكفي أن نقلب صفحات الأسبوع المنصرم وحده- وعقب الانتخابات التي جرت في ظل الاحتلال- لنجد أن منجل قطع الأعناق لم يكن ليفرق في الحصاد الدموي بين طفل وشيخ وامرأة ورجل، ولم يكن يميز بين بيوت ومناطق سكنية وبين شوارع أو مساجد أو كنائس أو سفارات عربية أو أجنبية، إنه إصرار على خلط الأوراق وتثبيت تهمة (الإرهاب) لتلتصق بالمقاومة التي حرّمت منذ البداية الدم العراقي الطهور والبريء، وأعلنت عملياً استهدافها البطولي والمشرف كل مايتصل بالغزاة من جنود وأدوات وآليات ومواقع ومعسكرات. وإذا كانت القناعة المتوفرة عبر التجربة الإنسانية أن الديمقراطية هي الحرية وأن الحرية تتناقض مع الاحتلال فإن ماحاولته الولايات المتحدة في العراق عبر مقولتي (الدستور والانتخابات) لايخرج عن كونه عملية لي عنق الحقيقة لإخفاء أهدافها العدوانية من وراء غزو العراق واحتلاله- فإدارة المحافظين الجدد (المتصهينة) لم تخف أنها اختلقت أكثر من خمسمئة أكذوبة لتبرير غزو العراق.. كما أنها لم تخف حقيقة أن العراقيين تصدوا لها ولجنودها ولأهدافها الشريرة وإن كانت تفعل ذلك اضطرارا- ومن هنا كان أمل المخلصين من أبناء الأمة ألا ينخرط العراقيون في تنفيذ مخطط التجزئة والتقسيم وتفجير (الألغام) التي تكمن في كل سطر من سطور (الدستور) الذي فرضه الاحتلال على العراق. ومن هنا أيضاً ترجى العرب والمخلصون من أحرار العالم أن يدرك العراقيون وخاصة من تعامل منهم مع الاحتلال أن أهم منجز مطلوب منهم هو (الوحدة الوطنية) الحقيقية- المصالحة الفعلية التي تسد المنافذ من أمام هجمات أعداء العراق والعرب وتجعل الوطن عصيا على التمزيق والتقسيم، أو الغرق في مستنقع الاقتتال العرقي والمذهبي والطائفي. سورية بدورها- بالرغم من الطعنات والاتهامات الباطلة التي وجهت وتوجه إليها من الطارئين على المشهد الوطني العراقي- تمنت للعراق الوحدة والعزة والاستقرار والأمن والسيادة الكاملة انطلاقاً من مبادئها القومية الأصيلة من جهة وإيمانا بوحدة المصير، فمنطلقات أي عربي حر لابد أن تكون السعي إلى توحيد الأمة وإلى استقرار أقطارها والتخلص من أشكال التدخل الأجنبي ومن فرض إرادات غريبة على أبناء الوطن مضادة لهدف النهوض القومي ومواجهة العدو الصهيوني الذي يشكل أفدح خطر على المصير القومي للأمة. احتضان دمشق للعراقيين الذين نشدوا الحماية في ظلالها فوجودها لم يتأثر بسهام الحقد المتناثرة يومياً صوب سورية من أعداء العروبة ومن أعداء استقلال وسيادة ووحدة العراق واستقراره. ولعل العراق يشهد بعد بحور الدم مايستحقه أبناؤه البررة وشهداؤه الذين آمنوا بانتمائه القومي وبدوره الحيوي في سوح مطاولة الأعداء وفي أولهم العدو الصهيوني المحتل، فعافية العراق عافية مضافة وضرورية للأمة ولمقاومتها الشريفة والمستهدفة وهي ضرورة للمحيط الإسلامي وللإنسانية المتطلعة إلى العدل والسلام والأمن.
|