في كتابه: «العمارة الإسلامية من الصين إلى الأندلس» يشير د. خالد عزب إلى أن الحضارة الإسلامية زخرت بتجارب لاحصر لها، منها التجربة العمرانية والتي كانت بداياتها مع هجرة الرسول (ص) إلى المدينة حيث بركت ناقته عند موضع مسجده فكانت أول وظيفة أحياها في المكان «المسجد» الذي كان بمثابة مركز الصلاة والعبادة إضافة إلى كونه مركزاً سياسياً واجتماعياً وحضارياً وملتقى علمياً وبذلك يكون أول من حدد الوظائف الأساسية للمكان الذي اختاره وأعاد صياغته صياغة إسلامية وضمت عناصر المدينة الإسلامية بدءاً من المسجد الجامع والمسكن ومصلى العيد ثم دور الضيافة وانتهاءً بالتحصين الحربي للمدينة ليقتدي المسلمون به فيما بعد في تخطيط مدنهم وعمائرهم الدينية والمدنية والحربية كما حدث في البصرة والكوفة والقيروان والفسطاط.
في مدخله إلى الفقه الإسلامي يرى الكاتب أن القواعد المنظمة لحركة التخطيط العمراني للمدن الإسلامية لم يأخذ حقه من الدراسة وهو ما جعل المدارس الاستشراقية القديمة لا ترى في المدينة الإسلامية إلا السلبيات وبدا المشهد الحضاري لديها مضطرباً وفوضوياً وغير منظم.
أما النزعة الأكثر موضوعية فقد رأت في المدنية الإسلامية تنظيماً للمجال الحضري منسجماً انسجاماً تاماً مع تركيبة اجتماعية متماسكة مشيراً إلى أن المدن القديمة التي دخلها المسلمون فاتحين تعاملوا مع بناياتها وفقاً للشرع الإسلامي أما الجديدة منها كالفسطاط مثلاً فقد سعت السلطة إلى وضع مخطط عام لديها هنا نشأ ما يعرف في فقه العمارة بالحق وحيازة الضرر.
إذاً تكونت بين سكان الحارة علاقة تضامنية حافظت على المجتمع وكيانه وقيمه.
وتتغير المعادلة فيما بعد فتفرض الدولة نفوذها على الحارات داخل المدن وتسقط سلطتها ليصبح شيخ الحارة عيناً للدولة عليها.
ويركز الكاتب في حديثه عن العمارة الإسلامية على عناصر رئيسة وهي المسجد الجامع ثم مقر ولي الأمر والقاضي فالمدارس والبيمارستانات والحمامات وأخيراً القلاع والأسوار وتوابعها كالبساتين والساحات والميادين والمقابر.
ويبين الباحث أن الهدف أولاً كان من بناء المسجد تهيئة الفراغ المعماري الذي يساعد المسلم على الخشوع ويبتعد في تشييده عن الزخرفة والتزيين ليمثل فيما بعد عملاً من أعمال التفاخر عند الحكام وبذلك يصبح المسجد في الفترات الأخيرة من العصر الإسلامي لا يمثل مركز الثقل الذي تتبلور حوله المدينة الإسلامية.
وفي حديثه عن المسكن يوضح أن المدينة الإسلامية عرفت التكافل الاجتماعي عن طريق توفير المسكن للمعدمين أما السبيل الملحق بالمنشأة بالدور الأرضي فقد بني لسقاية العطاش من المارة وطبيعي ألا تتكامل المدينة أي مدينة إلا إذا توافرت فيها مجموعة من المؤسسات الخدمية التي تشكل عصبها وهي التي حرص المسلمون على إقامتها وتنظيم أداء وظيفتها وخاصة المؤسسات التعليمية والتثقيفية والصحية.
فكانت المساجد المعاهد الأولى للتعليم عند المسلمين وأصبحت المساجد الجامعة الأولى في القرون الثلاثة الأولى خير أماكن التعليم وأبرزها المسجد النبوي في المدينة ومسجد الكوفة ومسجد الفسطاط بمصر والمسجد الأقصى بالقدس والجامع الأموي بدمشق ومسجد القيروان بتونس ومسجد قرطبة في الأندلس.
أما التخطيط المعماري للمدرسة فكان مستمداً من المسجد الجامع الذي تطورت عمارته وتخطيطه وفق متطلبات المدرسة.
ويذكر د. عزب أن أول من بنى المستشفيات في الإسلام لغرض الاستشفاء كان الوليد بن عبد الملك لتنتشر فيما بعد في ديار الإسلام وكان أشهرها البيمارستان النووي في دمشق والقلاووني في القاهرة.
وبالنسبة للحمامات فقد تشابهت في العالم الإسلامي ولم تختلف إلا في تفاصيل الوحدات المعمارية.
ويوضح أن شرف السقاية قديم جداً من عهد أشراف قريش الذين تباروا على أخذ السقاية بجوار الكعبة لأنهم وجدوا فيها رفعة لهم بين قومهم وإعلاءً لشأنهم لتنتقل الروح الطيبة الخيرة إلى المسلمين من بعدهم فيبنون الأسبلة كمنشآت لتخزين الماء وتقديمه للمارة لإرواء عطشهم.
ويذكر أقدم ورود معروف لذكر السبيل في الكتابات الأثرية سنة (470هـ، 1077- 1078م) في مدينة دمشق حيث يوجد نص على سبيل بحي عمرا.
وللسبيل أنواع فمنه المستقل وذو الكتّاب ناهيك عن كثير من الأسبلة الملحقة بالمنشآت المعمارية.