تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية تحوّل الاحتلال العسكري إلى استحقاق سياسي

شؤون سياسية
الثلاثاء 12-11-2013
حسن حسن

مامن يوم أو حتى ساعة تمضي إلاّ ويخسر فيها الفلسطينيون المزيد من الأرض ، سواء من خلال التمدد الاستيطاني أو افساد الأراضي الزراعية، فالتراب أيضاً تعرض للتجريف،

شأن السياسة ذاتها التي سعت بدورها إلى تجريف الذاكرة ، وإعادة رسم التضاريس من خلال شبكة مواصلات جديدة ، عزلت القرى والمدن عن بعضها، بل حولتّها إلى مايشبه الثآكيل المحاصرة التي راهن الاحتلال على عزلها عن الدورة الدموية للبلاد ، بحيث تجف بالتدريج وتذّبل وتموت. إن هذا ماسميّ مراراً كسب الوقت وليس شراءه ، كما قال بعض الذين لايرون من المشهد إلا السطح ، أو من جبل الجليد إلا الجزء الناتىء منه.‏

والاحتلال يحصل على الوقت بالمجان ، ونادراً مايكلفه ذلك غير مايمارسه من تضليل إعلامي وحجب الحقائق بما تبثه آلته الإعلامية من غبار ودخان، وماتبقى من الضفة الغربية الآن خارج السطو الاستيطاني هو نسيج متقطع ، وكيان لايمتلك من العناصر الأساسية مايكفي لنشوء دولة قابلة للحياة، ومنذ احتلال الضفة عام 1967 سعى الكيان الصهيوني بمختلف الوسائل إلى العمل على تكريس الاحتلال وفق منهجين ، أحدهما من صميم الاستراتيجية الصهيونية ، تمارسه الحركة لا «الدولة» والآخر مجرد تكتيك يجري تسويقه عبر الميديا لذر الرماد في العيون وماقيل عن لجوء دولة الاستيطان إلى المراوغة في السلام، وافتعال العقبات كي لايستكمل أيّ شرط من شروطه لم يكن في حقيقته سوى التعبير الدقيق عن استراتيجية كسب الوقت وتحويل ماهو عابر إلى أمر واقع ، ومن ثم مطالبة العالم بالاعتراف بأن ماسلب بالاحتلال العسكري تحول إلى استحقاق سياسي.‏

وماكان لنظرية النمو الطبيعي التي أضيفت إلى فلسفة الاستيطان أن تظهر على هذا النحو، وتجد من يصدقها لولا ماتم من كسب الوقت ، فالمقصود بالنمو الطبيعي أو الديمغرافي للاستيطان هو تكاثر عدد المستوطنين عبر جيلين على الأقل ، لهذا تقترن هذه النظرية بكسب الوقت، والسعي الدؤوب إلى مضاعفة هذا الكسب.‏

الاستيطان يلتهم أرض فلسطين قضماً وهضماً ، منذ أربعينيات القرن الماضي إلى الآن ، والعرب يتفرجون وفي أحسن الأحوال يصرخون ويحتجون ، مع علمهم أن هذا الأسلوب مع الإرهاب الصهيوني واستراتيجيته القائمة منذ زمن على تحويل فلسطين كلها مبدئياً إلى « دولة يهودية» ليس فيها مكان لأي وجود لأصحابها الأصليين، ثبت عقمه مراراً وتكراراً.‏

الثابت على الأرض أن الاستيطان لن يتوقف لحظة، سواء ببناء مستوطنات جديدة أو بتسمين القائم منها، وثمة هجمة شرسة تستهدف القدس تحديداً، وهي هجمة ممنهجة هدفها في النهاية اقتلاع المقدسيين من أرضهم ومنازلهم ، وتهويد المدينة بعد توسيع رقعة جغرافيتها، والعدو بارع في ذلك اضافة إلى استهداف الحرم القدسي ، فوق الأرض وفي باطنها ، والخطر الذي يتهدده أكثر من جلي لدى كل ذي بصر وبصيرة.‏

لقد كان عنصر الزمن ولايزال أساسياً في هذا الصراع وثمة من وصغوا المشهد الراهن على أنه نمط غريب من الحوار الذي يدور بين طرفين أحدهما يجلس داخل البيت المدجج بالسلاح ، والمحروس من كل الجهات، والآخر يقف بجانب النافذة تحت سماء ممطرة وعاصفة ، لهذا فإن من يتدفأ داخل البيت ليس في عجلة من أمره بخلاف من يقف في العراء، وقد يكون هذا الوصف الدراماتيكي لصراع فقد التكافؤ بعد حذف المقاومة، به قدر من المبالغة، لكنه لايخلو من الدلالات الواقعية والتي نراها ونسمعها يومياً.‏

والسؤال: هل التواطؤ الدولي والدعم الأميركي، هما فقط مايشجع قادة الكيان الصهيوني على الإيغال في عنجهيتهم وتطرفهم، حدّ زيادة تشريع عنصريتهم ومأسستها و وزيادة عدوانيتهم إلى درجة أن يشنوا ثلاثة حروب خلال سبع سنوات: اجتياح الضفة عام 2002 والعدوان على لبنان عام 2006 والعدوان على غزة نهاية عام 2008 و2012، هذا فضلاً عن التنامي البكتيري لحرب عمليات الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال والحصار والعزل وتقطيع الأوصال؟!‏

كلا، ليس بالتواطؤ الدولي والدعم الأميركي فقط، يزداد قادة« إسرائيل» صلفاً على صلف بل هناك سبب الرهان الرسمي العربي والفلسطيني أكثر وأطول، من اللازم على فرضية إمكانية تسوية الصراع مع قادة الكيان الصهيوني بالتفاوض الثنائي العبثي تحت الرعاية الأميركية ، من دون مواصلة الضغط عليهم وعلى حليفهم الاستراتيجي أميركا، بمواجهة وطنية فلسطينية وقومية عربية شاملة، تستند إلى ما أعطته قرارات دولية للقضية الفلسطينية ، جوهر الصراع العربي - الصهيوني من عدالة وشرعية.‏

قصارى القول: إن لجم التطرف الصهيوني المدعوم أميركياً، مشروط بالتخلي عن نهج مفاوضات«مدريد» و«أوسلو» النهج الذي كان السادات قد دشنه، وأعلن عنه في خطابه الشهير من على منصة « الكنيست» عام 1977 وقام على فرضية‏

«كسر الحاجز النفسي» يمثل أكبر تحديات حل الصراع الذي تمتلك أميركا 99 بالمئة من أوراقه ، نظن أنه آن الأوان لمراجعة تلك الفرضية الواهمة التي لم تفض، رغم مرور مايقارب أربعين عاماً ، إلا إلى زيادة الصلف الصهيوني وإلى زيادة الدعم الأميركي له.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية