المتحمسون لهذه الضرائب التي تفرض على الملوثين للبيئة أو الذين يهدرون الموارد الطبيعية بغير حساب , كثر هذه الأيام من حسن الحظ شرط فرضها على الجميع دون استثناء.. وهناك عشرات الأمثلة التي تستدعي التحرك.. فهل من المعقول أن تهدر مياه الشرب العذبة في سقاية المزروعات في أغلب ريف المحافظات وبدون أي حساب ? .. وهل من المعقول استمرار الهدر في الطاقة الكهربائية لأكثر من ربعها سنويا .. وهل من المعقول استمرار الزحف الإسمنتي على أخصب المناطق الزراعية بينما آلاف الأراضي القاحلة تصلح للسكن وبكلفة أقل ??
وهذا أيضا ما يثير أسئلة حول صندوق دعم وحماية البيئة الذي ينص عليه قانون حماية البيئة رقم 50 لعام 2002 في الباب السادس الخاص به والمكون من أربع مواد هي المواد 18 و19 و20 و21 ..
فماذا يمكن لهذا الصندوق أن يفعل .. وهل موارده ستكفي مستقبلا .. وهل يمكن تعديل في القانون المذكور لاستيعاب الضرائب البيئية المنتظرة .. أم أن هناك آليات أخرى لا نعرفها طالما أن البيئة ليست مسؤولية وزارة واحدة إنما تشارك بها جميع الجهات دون استثناء , بما فيهم القطاع الخاص الذي لا يزال خائفا من الدخول في الاستثمارات البيئية المنتظرة وهي بالمناسبة كبيرة وتحتاج إلى تشجيع ودعم دون انتظار طويل لكسب عامل الزمن ووقف التدهور البيئي .
موارد ونفقات الصندوق
ونبدأ أولا بالإشارة إلى المادة 18 من القانون 50 التي تقتضي بفتح حساب خاص باسم صندوق دعم وحماية البيئة وتودع فيه جميع التبرعات والهبات والأموال التي تقدمها المنظمات والهيئات والصناديق الدولية والعربية بالإضافة إلى ما تخصصه الدولة من أموال لدعم وحماية البيئة ومعالجة الأضرار البيئية وإزالة آثارها وذلك في الموازنة السنوية للهيئة العامة للبيئة .
أما أموال الصندوق فإنها وفق المادة 19 فهي تخصص لعشرة مجالات هي :
- مواجهة الكوارث البيئية .
- المشروعات التجريبية والرائدة في مجال حماية الثروات الطبيعية وحماية البيئة من التلوث .
- نقل التقنيات الحديثة لأغراض حماية البيئة .
- تمويل تصنيع النماذج الأولى للمعدات والأجهزة والمحطات التي تعالج ملوثات البيئة .
- إنشاء وتشغيل شبكات الرصد البيئي .
- إقامة المحميات الطبيعية بهدف المحافظة على الثروات والموارد الطبيعية .
- تمويل الدراسات اللازمة لإعداد البرامج البيئية وتقييم التأثير البيئي ووضع المعدلات والمعايير المطلوب الالتزام بها للمحافظة على البيئة .
- المشاركة في تمويل المشروعات البيئية التي تقوم بها الوحدات الإدارة والبلديات .
- إزالة التلوث .
- الأغراض الأخرى التي تهدف إلى حماية وتنمية البيئة .
أما بالنسبة لإدارة الصندوق وحسب قانون البيئة فإن الحساب الخاص بالصندوق يحرك من قبل وزير الإدارة المحلية والبيئة ومحاسب الإدارة المختص مجتمعين , وتصفى وتصرف النفقات بموجب أوامر تصفية وصرف صادرة عنهما, وتخضع هذه الصرفيات إلى رقابة الجهاز المركزي للرقابة المالية , وتدار المبالغ غير المصروفة في نهاية العام إلى العام التالي .
ويتم منح وزارة الإدارة المحلية والبيئة تفاويض مالية بقرارات تصدر عن وزير المالية وذلك بالمبالغ التي تورد إلى حساب الخاص بالصندوق , ويعتبر المبلغ الذي يتضمنه التفويض المالي اعتمادا إضافيا للهيئة العامة لشؤون البيئة يتم صرفه في المجالات المشار إليها سابقا
الضرائب البيئية
ومن جانب آخر , لم يشر الصندوق إلى ضرائب البيئة التي يتطلب فرضها إصلاح النظام الضريبي القائم وهذا لا يعني بالضرورة زيادة العبء الضريبي , وإنما يعني وضع نظام ثابت وطويل الأجل يهدف إلى زيادة تدريجية في الضرائب المفروضة على استهلاك الطاقة والمياه والمواد الخام واستهلاك الأراضي وكل ملوثات البيئة وفي الوقت نفسه خفض الضرائب والرسوم الأخرى , وخاصة تلك التي تشكل عبئا على عنصر الإنتاج ) العمل ) وذلك عن طريق تخفيض التكاليف الملحقة بالرواتب والأجور ( التأمينات الاجتماعية , ضرائب الدخل , .. )
وهذا ما يقوله د. رسلان خضور الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق في كتابه القيم بعنوان ( اقتصاديات البيئة ) الصادر عام 1997 عن وزارة الثقافة , ويؤكد أن هذا النوع من الإصلاح الضريبي يمكن أن يكون مقبولا ويشجع الناس عليه لاسيما من أنصار البيئة لكونه لا يزيد العبء الضريبي , وإنما يعيد توزيعه لأغراض حماية البيئة والتنمية المستدامة , وهذا ما ينسجم مع الاتجاهات السائدة حاليا في أغلب دول العالم , والتي ترى ضرورة أن تكون ضرائب البيئة حيادية , أي لا تؤثر على الإيرادات , إضافة إلى أن ربط الضرائب البيئية بأغراض وأهداف محددة مسبقا يجعل هذه الضرائب مقبولة لدى أغلب المواطنين كونهم يعلمون سلفا أين ستذهب الأموال التي سيدفعونها
ويشير د. خضور أنه لنجاح الإصلاح الضريبي من هذا النوع لابد أن يحقق ثلاثة شروط هي :
1 - أن يكون هناك تدرج في زيادة الضرائب وذلك تفاديا لحدوث أزمات اجتماعية طارئة , وكذلك تجنب التأثير السريع على قدرة المنتجين على المنافسة ريثما يتم التكييف مع الوضع الجديد .
2 - أن تكون إجراءات الإصلاح الضريبي ضمن خطة ثابتة وبعيدة المدى قد تستغرق عدة عقود زمنية .
3 - أن تكون الضريبة البيئية حيادية , أي لا يؤثر تعديل النظام الضريبي على إجمالي الإيرادات الضريبية وإنما على توزيع العبء الضريبي .
تجارب ناجحة
ونشير في سياق هذا الموضوع إلى تجربتين الأولى عربية والثانية أوروبية .. ففي تونس تم في عام 1997 م إحداث صندوق محاربة التلوث وذلك لدعم وتشجيع مبادرات القطاع الخاص في مجال مكافحة التلوث الصناعي أو التقليل منه إلى الحدود المقبولة , ويقدم الصندوق قروض للتمويل تصل إلى 80 % من قيمة المشروع حيث استفادت منه حتى عام 2001 نحو 14 شركة خاصة بتمويل يبلغ نحو 30 كليون درهم مغربي
كما مثل المركز المغربي للإنتاج النظيف انطلاقة ناجحة للشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص , ويعتزم المركز تشجيع استعمال التكنولوجيات النظيفة والوقاية من التلوث في مصدره
أما ألمانيا فتعتبر من الدول الرائدة عالميا في تطبيق قانون الإصلاح الضريبي البيئي والتخلي عن استغلال الطاقة النووية وبإقرار برنامج طموح لتخفيض الكميات المنبعثة من ثاني أكسيد الكربون , وبناء اقتصاد يعتمد على تدوير المواد وإعادة استعمالها وطبق قانون خاص بذلك عام 1996 الذي يضع ضوابط مشددة في النفايات الناجمة عن الإنتاج والاستهلاك وتفادي نشوء النفايات وإعادة استخدامها وتضمين ذلك بقانون التغليف والتعليب الذي ألزم منجي وبائعي مواد التغليف والتعبئة بأن يستعيدوا الفوارغ ويستخدمونها مرة أخرى
كما إن الالتزام الطوعي من قبل المنتجين حقق نتائج رائعة حيث تعهد منتجو ورق التصوير بأن يعيدوا اعتبارا من عام 2000 استخدام 60 % من الورق المستعمل لكنهم أعادوا أكثر من 80 % وهناك عشرات الأمثلة المشابهة وفي مجالات واسعة .. فهل نستفيد من تجارب الآخرين ونسرع من نشاطاتنا باتجاه ضرائب بيئية مناسبة والبحث عن مطارح لدعم صندوق البيئة والتعريف به محليا بالتعاون مع الجمعيات الأهلية البيئية وغيرها .. وبالمناسبة فإن هناك صناديق للبيئة توزعها الدولة في العديد من الأماكن لاسيما في المطارات .. فهل نتحرك ..