وقد أبرز برنامج الأمم المتحدة للبيئة حجم الانقلاب الكبير الذي أصاب سطح الكرة الأرضية خلال الثلاثين عاماً المنصرمة, بسبب النمو الاقتصادي والديمغرافي الكبير, الذي لم تشهد مثيله البشرية من قبل, وذلك خلال انعقاد مؤتمر البيئة في لندن الشهر المنصرم, وتم خلال هذا المؤتمر استعراض صور دقيقة ومرعبة في نفس الوقت, التقطتها الأقمار الصناعية كشفت من خلالها, على سبيل المثال, كيف أن زراعة القريدس,
والتي تضاعفت في السنوات الأخيرة, بدلت من طبيعة العديد من السواحل في أميركا اللاتينية وآسيا, ودمرت في طريقها الغابات ذوات الجذور العميقة, وشجر المنغروف, وكيف تحيط الزراعات المحمية (البيوت البلاستيكية) بشواطئ البحر المتوسط, ملونة بالرمادي هذا الشاطئ الأزرق, ومستهلكة كميات ماء كبيرة, تضيع بشكل مأساوي فيها.
وكذلك صور عن قطع الغابات في البرازيل والباراغواي, وانحسار مساحة البحر الميت وبحيرة حامون في شرق إيران, من جراء ضخ المياه الجائر منها, ومئات الأمثلة الأخرى.
وكان الهدف من عرض هذه الصور, والتي بلغ تعدادها حوالى /8700/ صورة, استغرقت وقتاً طويلاً امتد لثلاثة أعوام, وعملاً مضنياً من أجل فرزها, هو تقديم القرائن والدلائل حول حقيقة التغيرات التي أصابت الكرة الأرضية عملاً بمبدأ (إن رأيت ستصدق), وكان التابع الصنعي /لاندسات/ التابع لوكالة ناسا الأميركية أول من التقط سلسلة صور للأرض بدءاً من عام 1972 لغاية عام .2000
وعبر المقارنة بين الصور الملتقطة لنفس الأمكنة, على فترات متباعدة, تمكن فريق الأمم المتحدة من التمييز بين المتغيرات وما طرأ من مشكلات بيئية حديثة مثل التبدل السريع في نمط حياة سكان الأرض وتراجع المساحات الرطبة واقتلاع الغابات وتخريب العديد من مناطق الأسماك, تعرية التربة, انقراض أنواع حيوانية ونباتية جاء نتيجة هذه التبدلات الأرضية, ويؤكد المؤرخون أن الطبيعة ظلت محافظة على عذريتها قبل هذه الفترة, في حين كانت النار هي الوسيلة التي سيطر فيها الإنسان على الطبيعة, وظلت الوسيلة الفعالة في إجراء التغيرات منذ مئات السنين, فإن التغيير الحقيقي والفعلي جاء مع بداية الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر, نتيجة النمو الديمغرافي والتطور التكنولوجي بحيث لم تبق مساحة على وجه الأرض إلا وتناولتها يد الإنسان, ويقدر الخبراء أن هذه المساحة تبلغ نسبتها 83% من وجه اليابسة, تأثرت بالنشاطات البشرية, وهذا ينطوي على تهديد صارخ على قدرة النظام البيئي في تقديم خدماته إلى المجتمعات من غذاء وماء صافي, وتنقية الأجواء من التلوث والنفايات.. الخ.
ومهما بذل الاقتصاديون من مساع لتنمية هذه الخدمات, وضخوا أموالاً, فكلها هباء منثور, لأن المهم هو تطويق هذه التغييرات الجذرية للبيئة, والتي تفرض نفسها بقوة, والخروج من هذا العهد المظلم في غزو الطبيعة والدخول في عهد جديد من التنمية المستدامة والإدارة الحذرة.
والسؤال المطروح حالياً بقوة: هو إلى متى تستطيع البشرية الاستمرار في إحداث تبدلات بيئية دون أن تنعكس عليها نتائجها الكارثية, على هذا السؤال يجيب المؤرخ البيئي جون مكنيل قائلاً: إن أسلوب حياتنا الحالية من الناحية البيئية ليس طويل الأمد, ولكن ليس معلوماً كم من الوقت يمكننا الاستمرار في هذا النهج الحياتي, وماذا سيحدث إن واصلنا السير به, بينما المتشائمون الذي رفضوا فكرة إيجاد حدود للتنمية لأنها غير مجدية أكدوا قائلين إن الإنسان أفرط في استغلال واستثمار الرأسمال الطبيعي, حيث بدأ يفرغ الاحتياطي الطبيعي, وتتقلص المنافع والفوائد.
ويزيد من وطأة هذه المخاوف توقع تباطؤ الازدياد الديمغرافي, حيث من المتوقع أن يصل تعداد سكان العالم عام 2050 /9/ مليارات نسمة, ودون تحقيق تغيير جذري في فحوى النمو الاقتصادي, فإن ازدياده أو مضاعفته يعني تبدلاً متزايداً في البيئة, وانهياراً متسارعاً في الدورات الطبيعية.