والكتاب من إصدار مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق.
إن عالم اليوم يعيش في زمن تتسارع فيه الأحداث بوتيرة عالية حيث تتبوأ فيه قوة واحدة متفوقة تتميز بالتفوق والجبروت.
هذه الأحداث التاريخية التي مرت خلال عقدين من الزمن أعادت تشكيل النظام العالمي برمته.. وبالطبع فقد كانت هذه الأحداث حبلى بنتائج دولية معقدة تتطلب قرارات سياسية دقيقة وصعبة وسط توازن دولي للقوى التقليدية.
يتساءل زبغينيو بريجنسكي: هل أفسحت الحرب الباردة الطريق إلى سلام دائم? هل انتصار الديمقراطية الأميركية في صراعها الطويل مع الشمولية السوفييتية علامة على الأهمية الشاملة للديمقراطية?
وهل هناك تهديدات جديدة في طور الظهور? وما البصيرة التي يمكن أن تضيء على جوهر الأزمنة وتمنح وضعية أميركا العالمية الجديدة غاية ذات مغزى?.
وأخيراً:ما الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة.. وخاصة بعد أن أصبحت السياسة الأميركية في عهد إدارة بوش مدمرة لذاتها إستراتيجياً?.
في الحقيقة لقد كانت للولايات المتحدة خيارات تبلورت من خلال سياسات إداراتها ورؤسائها الذين تتابعوا على عرش الامبراطورية: سياسة تقليدية في بيئة غير تقليدية- وسياسة غير حاسمة تفتقد إلى المنعة والحزم والحسم- سياسة معوجة وجامدة ومتعجرفة بحاجة إلى عملية إنقاذ لتعود لها الحياة خوفاً من حدوث المزيد من النتائج الكارثية على مستقبل أميركا وسمعتها في العالم.
تقول مادلين أولبرايت: في هذا العالم المتفجر اليوم يجدر بنا أن نجد طريقة للبدء بإخماد الحرائق القديمة بدلاً من إيقاد حرائق جديدة.. التاريخ مملوء بالمشروعات التي فشلت على الرغم من الاعتقادات الراسخة لمن أطلقها, لقد قادت اعتقادات بوش الجوهرية.. أميركا بعد هجمات 11 أيلول 2001 إلى الغزو المدمر والاحتلال المطول لبلد ليس له أي علاقة بهذه الهجمات, ووسعت هذه الخطوة الهوة الفاصلة بين المسلمين والولايات المتحدة... ومنحت حياة جديدة إلى القاعدة توسعاً وانتشاراً.. وجعلت إلحاق الهزيمة بالإرهاب الدولي تحدياً أكثر صعوبة وأكبر خطورة.
ثلاث ثورات هيجت العالم وجعلته يغلي على فوهة بركان ) ثورة قوة الامبراطورية الأميركية سيدة العالم, وثورة الإرهاب, وثورة العولمة والمعلومات .
ومن خلال هذه الثورات- قيادتها والتصدي لها- ضاع أمن العالم واستقراره فجاءت النتائج غير منطقية, وغير واقعية.. وغير مرضية لذلك كان من المبكر على بوش أن يعلن انتصاره على العالم.. وهذاماحدا بأحد خبراء السياسة إلى القول: إن القوة الأميركية في كل أنحاء العالم في أوجها والموقف الكوني السياسي في حضيضه.. لذلك سيغادر بوش البيت الأبيض ليعيش ماتبقى له من أيام على ذكريات وأوهام لم تتحقق وعلى أحلام ستكون له مزعجه في نهاره وليله- نزيف للدماء, وهدر للأموال, ودمار وخراب- يقول نعوم تشومسكي: إن أكثر من سبب يحملنا على القول: إن السيطرة الأميركية على العالم تبدو اليوم أكثر هشاشة.. وهي سريعة العطب.. وإحدى عواقب ذلك هي أن انتهاج إدارة بوش السياسية التقليدية المتمثلة في إعاقة الديمقراطية باتت دون عوائق جديدة, فليس من السهل بعد اليوم اللجوء كما في السابق إلى الانقلابات العسكرية- أو الإرهاب الدولي.. أو تحريك الجيوش والأساطيل.. إن الولايات المتحدة لاتختلف بشيء عن سواها من الدول المتجبرة التي لمعت لزمن ثم انطفأت. ليس لدينا عذر اليوم.. إذ يمكننا رؤية الفوضى وهي تتعاظم.. كان الله في عوننا إذ نستعد لها.
إن صراع الولايات المتحدة من أجل تخليص نفسها من المستنقع العراقي.. والحالة الأمنية المتفاقمة هو دليل مؤلم يشهد على الحقيقة المتمثلة في أن إستراتيجية الأمن القومي المبينة على الحرب الاستباقية لم تكن جزءاً من استراتيجية كبرى, كان أحد أهدافها تحقيق حالة السلام المستقبلية وصونها.
يقول غازي هارت: لقد فوجئنا في العراق.. ونحصد مازرعنا.. خسائر, وإحباط وفشل, إن العالم المنقسم بحدة بين من هم مع أميركا.. ومن هم ضدها ليس هو العالم الذي يمكن أن يتحقق فيه أمن ويسود فيه سلام. لقد انشغلت إدارة بوش بالقوة العسكرية بوصفها الملجأ الأول.. وليس الملاذ الأخير.. والإبقاء على حالة الحرب المنتشرة.
أميركا اليوم في خطر.. هذا مايحذر منه الرئيس الأسبق كارتر.. وعندما تكون أميركا في خطر يكون العالم كله في خطر لأن أميركا مختصر العالم كما يقول كارتر إن أميركا لاتستطيع أن تكون العالم وتبقى أميركا. والشعوب الأخرى لايمكنها أن تصبح هي أميركا وتحافظ على ذاتها.. وإذا ماحاولت أميركا كتابة هذه الرواية فإن هذه الرؤية للتاريخ ستتحول إلى حكاية أسطورية كارثية.