تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القضية الفلسطينية ...اصطفافات وسيناريوهات

دراسات
الاثنين 29/9/2008
سليم عبود

إذا كان العرب في العقود ما قبل الأخيرة من القرن الماضي اجمعوا الرأي والموقف على أن القضية الفلسطينية تشكل قضيتهم المركزية, وأن توظف لها كل الجهود, نتساءل اليوم,

هل مازالت القضية الفلسطينية محور اهتمام العرب, وأنها قضيتهم المركزية وأن الصراع مع إسرائيل هو صراع عربي إسرائيلي, وأن القضية الفلسطينية كما كانت هي في قاموس الأدبيات السياسية, ليست قضية قطرية تعني الفلسطينيين وحدهم, وإنما تعني العرب جميعاً, لأن الصراع مع إسرائيل يتجاوز الصراع على الأرض إلى الصراع على الوجود?! بالتأكيد تغيرت المواقف بعد اتفاقيات كامب ديفيد التي فتحت أول ثغرة في الجدار العربي, واختطفت مصر, وباتت القضية الفلسطينية قضية ثانوية عند أنظمة أخرى, وهكذا سادت ثقافة جديدة تحت شعار استقلالية القرار الفلسطيني دفعت ببعض الأنظمة للهروب من مسؤولياتها في هذا الصراع, ودفعت بالقيادة الفلسطينية إلى متاهات أوسلو.. وأضحت قضية فلسطين للفلسطينيين وحدهم باستثناء دمشق.مايجري اليوم في العالم العربي من اصطفافات, ومن مواقف تكتنف باللامبالاة, ومن محاولات لتغيير وجهات الصراع مع اسرائيل برعاية أميركية, يؤكد أن القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها في العالم العربي, وباتت في نظر أغلب الأنظمة العربية قضية فلسطينية لا أكثر وأن الحديث عنها فقد حرارته, وبات حديثاً عادياً كالحديث عن أي حدث على الساحة الدولية.‏

إذا كان المسجد الأقصى طوال ألف وأربعمئة سنة قضية عربية وإسلامية, فقد بات اليوم معلماً يخص الفلسطينيين وحدهم كما نشاهد على الأقل على الفضائيات, وإذا كان المقدسيون يستصرخون المشاعر القومية والإسلامية لنجدة القدس والأقصى من أعمال التهويد والحفر والحصار والاستيطان والظلم وتغيير الهوية, وأن هذا الصراخ لا يتجاوز الحالة الصوتية, أو بالأحرى لا يتجاوز صداه المحيط الفلسطيني سوى مانشهده لدى سورية وإيران والمقاومة اللبنانية من أصداء مقاومة وممانعة, وفي وقت تجهد أنظمة عربية -للأسف- نفسها لتشويه مواقف سورية تحت تسميات وعناوين كثيرة خدمة وإرضاء لأميركا, لأن سورية وإيران مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وإذا كان الأمر كما نراه اليوم, فالمسجد الأقصى بكل قداسته ودلالاته ورمزيته وما يحمله من أبعاد للعرب والمسلمين, راح مع الوقت يتحول إلى موضوع عادي كأي حدث يومي يجري في الأراضي الفلسطينية, ولم يعد قضية المسلمين, ولم يعد يثير قلق الأنظمة العربية وغضبها باعتباره أول القبلتين وثالث الحرمين, وموطن الإسراء والمعراج, فزيارات ولقاءات المسؤولين الصهاينة لم تتوقف إلى بعض العواصم العربية والإسلامية, بعضها من تحت الغطاء وبعضها الآخر من فوق الغطاء دون خجل, وكذلك لم تتوقف زيارات المسؤولين الأميركيين, وتصريحاتهم إلى إسرائيل ولدعم إسرائيل, كل هذا شجع أميركا على تجاهل المشاعر العربية والإسلامية وشجع إسرائيل على مزيد من الاستيطان والتهويد والقتل والتشريد والحصار للشعب الفلسطيني ليس في غزة المحاصرة وحسب, وإنما في الضفة الغربية أيضاً, وإلى تقسيم العالم العربي إلى قسمين أو إلى فريقين, فريق الاعتدال الصامت الساكت على كل مايجري في فلسطين والعراق وفريق التطرف الغاضب المواجه لما يجري.. وإذا كانت بعض الأنظمة ترجع الوضع المتفجر في غزة, ومعاناة الناس فيها إلى مواقف حماس الأخيرة من الاحتلال, فالوقائع تقول إن الحرب التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين قديمة, واشتعلت أكثر بعد وصول بوش إلى البيت الأبيض وإعطائه الضوء الأخضر لشارون بالهجوم على الفلسطينيين, والجميع يذكرون رد إسرائيل على المبادرة العربية في بيروت عام 2002, فقد كان باجتياح للأراضي الفلسطينية والهدم والتجريف والقتل والاعتقالات وإقامة جدار الفصل العنصري.‏

إن غزة محاصرة قبل أحداث غزة, وعمليات القتل والتصفية للقادة والناس كانت كما هي اليوم في الضفة الغربية.. وإذا كانت الإدارة الأميركية تقول بنشر الديمقراطية في المنطقة, فالتجربة الفلسطينية أوضحت أن أميركا تريد ديمقراطية على مقاس رغباتها وتحالفاتها وأهوائها, فالشعب الفلسطيني يدفع اليوم ضريبة الدم والأرض والجوع والمرض لأن هذا الشعب مارس الديمقراطية, وباعتراف العالم كله, ومايجري اليوم من ضغوط وحصار واعتقالات لوزراء من حماس وأعضاء من المجلس التشريعي يأتي في إطار محاربة الحالة الديمقراطية التي مارسها الفلسطينيون وأكدوا أنهم قادرون على تحديد منهجهم وطريقهم بوعي ومسؤولية.‏

الأميركيون والإسرائيليون يضغطون لاستمرار القطيعة الفلسطينية الفلسطينية, وقد أعربت رايس وزيرة خارجية أميركا والمسؤولون الإسرائيليون عن عدم تعاونهم مع السلطة التي أنتجتها الممارسة الديمقراطية الفلسطينية, واعتبروا غزة منطقة معادية, أي ممارسة الحرب على أهلها بكل أشكالها, من التدمير العسكري إلى الحصار للموت جوعاً, وفي ظل هذا التوجه يمكن القول :إن كل محاولات المصالحة الفلسطينية الفلسطينية لن تنجح, لأن الإدارة الأميركية تريد لها ألا تنجح, وأن عملية الحصار ستستمر, لأن أميركا تريد لها أن تستمر, وأن مايقال بهذا الشأن عن تصرفات تمارسها حماس هو نوع من ذر الرماد في العيون لإيجاد ذرائع استمرار هذا الحصار... ونستنتج من كل ذلك أن أميركا التي يريحها صمت الأنظمة العربية, تركت الحبل على غاربه لإسرائيل لتحقق أولوياتها في هذا الملف وهو أمن إسرائيل ودعمها إلى مالا نهاية,وإن قضية الدولتين هي كذبة أميركية غير قابلة للتحقيق, ولاتريدها الإدارة الأميركية أن تتحقق, فهي تلعب على الوقت وتلعب على مشاعر العرب والمسلمين لإخراج بوش من فشله على الصعيد الدولي وفي أميركا ليمرر الأشهر القادمة من وجوده في البيت الأبيض, إضافة إلى أن موضوع التهدئة في المنطقة العراق وفلسطين يساعد الجمهوري ماكين في الاتنخابات القادمة, لوضع الأميركيين في تصورات كاذبة إن سياسات بوش باتت تؤتي أُكلها .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية