تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ماأحوجنا إلى أمم متحدة قوية !

دراسات
الاثنين 29/9/2008
توفيق المديني

عقب نهاية الحرب العالمية الثانية سنة1945, قام النظام الدولي على أساس الاستقطاب العسكري والإيديولوجي بين كلٍ من الولايات المتحدة الأميركية التي تقود المعسكر الرأسمالي الغربي,

ممثلاً في حلف دول شمال الأطلسي والاتحاد السوفييتي الذي يقوده المعسكر الاشتراكي ممثلاً في حلف وارسو, وسمي ذلك النظام الدولي نظام القطبية الثنائية, لأن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانتا أهم القوى الرئيسية الفاعلة في النظام الدولي, وحافظتا على التوازن والاستقرار الدوليين حتى نهاية الحرب الباردة, وانهيار الاتحاد السوفييتي, مع إعادة بناء العولمة الرأسمالية الجديدة تحت حماية وهيمنة الولايات المتحدة, التي تحولت إلى أكبر قوة عظمى مفرطة القوة في النظام الدولي الجديد الأحادي القطبية.‏

ومنذ أن ظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود في 26 تشرين الثاني سنة 1945, بعد تصديق الدستور من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن -وبأغلبية من الموقعين الآخرين ال46, ظلت الأمم المتحدة تمثل مصدراً للشرعية الدولية, رغم احتلال الولايات المتحدة الأميركية موقعاً فريداً في قيادتها, نظراً لإسهامها الكبير في نسبة موازنتها 22 في المئة, و27 في المئة من موازنة قوات حفظ السلام, رغم أن الجدل القائم والمعاداة الأميركية في الجمعية العمومية يحجبان هذا الواقع.‏

في السنوات الأخيرة, أصبح موضوع إصلاح الأمم المتحدة مطروحاً بقوة من قبل البلدان الناشئة, وذلك جراء السياسات الأميركية التي تفردت بقيادة النظام الدولي أحادي القطبية, ولاسيما في ظل السنوات الثماني من إدارة الرئيس بوش الابن, التي شهد فيها العالم اندلاع الحروب الإقليمية في أفغانستان والعراق, وتنامي ظاهرة الإرهاب الدولي, وغرق العالم في مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار, وعجز الولايات المتحدة الأميركية عن إدارة أزمات العالم بمفردها, إضافة إلى تعالي العديد من الأصوات في القارات الخمس تطالب بضرورة إعادة بناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب, وإصلاح الأمم المتحدة الذي بات مطلباً ضرورياً بعد أن شاخت وترهلت هذه المنظمة الدولية, ولم تعد تقوم بالدور الأساسي الذي أنشئت من أجله.‏

إن إطلاق قطار الإصلاح الأول سيكون بمنزلة اختبار لعمليات تحديث أخرى كالبت في كيفية إنقاذ هذه المؤسسة الدولية العريقة التي تواجه خطر تهميشها وإعفائها من مهامها التي أنيطت للقيام بها. بيد أن الإصلاح الرئيس للعديد من المطالبين به يتمثل في إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي. فهذه المؤسسة الدولية المسؤولة عن تعزيز الأمن الدولي ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة خطر الإرهاب الدولي..إلخ, مطالبة باستقبال أعضاء جدد دائمي العضوية في مجلس الأمن, وإذا كان الأمر بنعم, فمن هم?‏

مما لاشك فيه أن إصلاح مجلس الأمن مطروح على جدول الأعمال منذ وقت طويل, لكن النقطة الوحيدة التي تشكل إجماعاً داخل الأمم المتحدة هي أن الوضع الحالي غير مرضٍ على الإطلاق, في عصر لا نظير له مليء بأكثر القضايا قسوة مثل قضايا الفقر -المرض- الحروب والظلم. ويتساءل الكثير من الأميركيين: لماذا يجب على الشرعية الدولية أن تمنح لبلدان ليس لها مسؤوليات في مجال الأمن الشامل? مثل الكاميرون, والمكسيك, وأنغولا (كل هذه البلدان الثلاثة كانت أعضاء في مجلس الأمن في وقت الحرب على العراق), أو إلى بلدان غير ديمقراطية مثل الصين. وهناك بلدان غنية وكثيرة السكان مثل اليابان وألمانيا اللتان تتمتعان بمزايا وأفضليات أكثر من بريطانيا وفرنسا, اللتين تعود عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن إلى نتائج الحرب العالمية الثانية التي انتهت منذ ستين سنة. ومن جانب آخر, يرفض المواطنون في إفريقيا وأمريكا اللاتينية أن يكون السلم والأمن الدوليين مقررين من جانب الولايات المتحدة الأميركية وبعض البلدان الأوروبية بالإطلاق.‏

في آذار 2004 قدم الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان تقريراً استعرض فيه المبادئ الأساسية للإصلاح الشامل لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وأصر كوفي أنان في حينه على أن مجلس الأمن الدولي -الذي يضم اليوم كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا, كأعضاء دائمي العضوية, وعشرة أعضاء يتناوبون كل سنتين, لن يحظى بالاحترام, ولاسيما من قبل بلدان العالم الثالث, إلا إذا تغيرت تركيبته.‏

وإذا تقرر إنشاء مقاعد دائمة جديدة فهناك عدد من المنافسين الأقوياء الذين يستحقون شغلها. وليس سراً أن كوفي أنان قد عبر عن تأييده لكلا الخيارين, الأول: وتدعمه مجموعة الأربع المتكونة من اليابان وألمانيا والهند والبرازيل, ويأمل في وصول ستة أعضاء جدد دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي (مجموعة الأربع+دولتين إفريقيتين غير محددتين أيضاً), إضافة إلى أربعة أعضاء جدد غير دائمي العضوية. وفي هذا الخيار, سينتقل العدد الإجمالي لأعضاء مجلس الأمن من 15 إلى 25. أما حق النقض فسيظل حكراً على الأعضاء الدائمين الخمس الحاليين. ولم يلق هذا الخيار الإجماع. الثاني: وتدعمه مجموعة من البلدان متكونة من إيطاليا, باكستان, كوريا الجنوبية, وإسبانيا. وتطالب هذه المجموعة بتوسيع مجلس الأمن إلى 25 عضواً, ولكن بزيادة الأعضاء غير الدائمين فقط (10) مختارين من مجموعة (30), ولكن بزيادة فترة صلاحياتهم من سنتين إلى أربع سنوات. بالنسبة للمدافعين عن هذا الخيار, ستتجنب هذه المقاربة ضرورة اختيار عضو دائم في مجلس الأمن من بين المتنافسين الإقليميين مع إمكانية إفساح المجال لبلدان مهمة لأن تكون حاضرة كثيراً في المجلس من بلدان صغيرة جداً.‏

من الملاحظ أن أياً من الخيارين لا يراعي تخويل أعضاء المجلس الجدد حق النقض الفيتو ولهذا من الضروري الإصرار على أوسع وفاق ممكن بين الأعضاء بهذا الشأن. ويبدو أن مثل هذا الوفاق معدوم حتى الآن, إذ أصر ممثلو البرازيل والهند واليابان, وهذه الدول من أقوى المنافسين على المقاعد في القوام الموسع لمجلس الأمن الدولي. وهذا مفهوم لأن الخيار الثاني يحرم هذه الدول من الحضور الدائم في مجلس الأمن. والإشكالية, أنه في حال انضمام الهند واليابان إلى عداد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في سياق عملية الإصلاح المرجوة, فإنه في مثل هذه الحالة سيطرح السؤال التالي: ما الموقف من ألمانيا أو إيطاليا أو البرازيل?‏

وإذا قبلت البرازيل ممثلة عن أمريكا اللاتينية فستبرز حتماً مسألة المكسيك والأرجنتين, وإذا قبلت مصر ممثلة عن إفريقيا, فستثار مسألة جمهورية جنوب إفريقيا وغيرها. ويتطلب كل إصلاح في مجلس الأمن بالضرورة موافقة الخمسة أعضاء الدائمين إضافة إلى ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة, أي 128 من أصل 191 عضواً. ثم إن صعوبة تجميع مثل هذا الدعم ستحدث أيضاً نشاطاً قوياً للوبيات داخل الأمم المتحدة. وهناك دولتان تمتلكان حق النقض, هما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا, ستلعبان دوراً نقدياً إن لم نقل مصيرياً في النقاشات المقبلة.‏

حيال هذا الوضع إنه من السذاجة توقع ظهور وفاق سريع بشأن أي من الخيارين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية