فاستمر هذا الحلف مترددا بين طبيعته العسكرية بالأساس وتعطشه القوي للسياسة. وتحت هذا الشكل الاخير ظهر هدفه الثلاثي الأبعاد: توطيد الوجود الاميركي في أوروبا- على نقيض ما كان قد حدث بعد الحرب العالمية الاولى, واجتذاب مجموع الديمقراطيات الاوروبية, وضمان الأمن على القارة العجوز ,ليس ضد روسيا إنما معها.
من وجهة نظر عسكرية, تلاشت في الواقع فكرة إمكانية أن تشكل روسيا تهديدا على جاراتها في سنوات 1990 ولكي يظل حلف الناتو أمينا تجاه النداء العسكري كان عليه أن يجد مهمات جديدة كتثبيت السلم أو عمليات خارج منطقته أي خارج حقل عمله الأساسي. ومن هنا نلاحظ تواجده في البلقان وفي أفغانستان.
لكن حربه ضد طالبان والصراع الروسي- الجورجي وضعه أمام تحد ثنائي جعلت من طبيعته المزدوجة العسكرية والسياسية أمرا متنازعا حوله. أيضا مخاطر التورط في كابول والإهانة التي وجهها الروس لحليف ذي امتياز من واشنطن في القوقاز تدفع للتساؤل حول قدرة الناتو في النهوض.
في أفغانستان , لايمكن أن يخسر حلف الناتو الحرب هناك, لكنه سيعاني من الإخفاق بحال لم يربحها. أضف إلى هذا, لاشيء يؤكد انتصاره على أفغانستان بالرغم من التعزيزات التي قد يحصل عليها من الولايات المتحدة وبعض حلفائه كفرنسا. أيضا رفض بعض الدول إرسال جنودها إلى مناطق قتالية وغياب التنسيق في العمل الدولي والرؤيا الضبابية لسياسته الإجمالية تضاف إلى اللعنة المصبوبة على الغرباء الذين يحاولون فرض أنفسهم في هذه الدولة.
في جورجيا, لم يتعرض حلف الناتو لإهانة عسكرية لأنه لم يتورط مباشرة في الأمر. في الربيع حين انعقاد قمة الناتو في بوخارست, رفضت فرنسا وألمانيا خطة عمل عضوية تبيليسي والتي تعتبر خطوة أولى نحو الانضمام ,الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف اعترف أن عضوية خطة العمل لن تغير شيئا في إرادة موسكو بإعطاء الجورجيين درسا, وهنا نتساءل فيما إذا كان القرار الروسي سيكون مختلفا لو أن جورجيا عضو في حلف الناتو, يمكن القول بشكل آخر, هل يمكن لحلف الناتو أن يحمي جارات روسيا?
من الصعب الإجابة على هذا النوع من الأسئلة بحال تبادر إلى ذهن الرئيس الجورجي أن موسكو لن تجرؤ على مهاجمته وأن الولايات المتحدة ستهب لمساعدته فهو يقترف بذلك خطأ مأساويا.
لقد رسخت الحرب بين روسيا وجورجيا مأزق الدول الغربية فإما أن تقبل هذه الدول بانضمام جورجيا إلى حلف الناتو, وهذا الأمر ينطوي على خطرين: الأول وجوب دعمها عسكريا في وجه جارتها العظمى في الشمال والثاني الإيماء ببطلان حمايتها وذلك بأن تقف دول الحلف موقف المتفرج. أو أن ترد هذا التقارب إلى زمن غير محدد, ما يقدم انطباعا بالخضوع لتهديدات الكرملن.
كان قد صرح سياسي سوفيتي بعد سنوات 1990 أنه يمكن توجيه صفعة لحلف الناتو بأن تحرمه من وجود الخصم. على النقيض, ليس مؤكدا أن روسيا قدمت لحلف الناتو خدمة بأن أشعرته أنها تشكل وجه الخصم.