وبقيادة جديدة ولعل الأزمة الاقتصادية في القطاعين المصرفي والعقاري تعد أسوأ من تلك التي واجهها رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد وبلسون الذي كان رئيساً لحزب العمل البريطاني في ستينيات القرن الماضي, وقد زعزعت وأضعفت التداعيات السياسية المباشرة لهذه الأزمة موقف غوردون براون المزعزع والضعيف سلفاً في صفوف حزبه العمالي وقاعدته الناخبة.
والآن وبعد مضي خمسة عشر شهراً على نجاحه في إجبار سلفه السابق توني بلير على ترك المنصب وتقديم استقالته ليحل محله, يجد براون نفسه مهدداً باحتمال ترك المنصب هو الآخر بعد النمو المتصاعد لنفوذ )حزب المحافظين( ويجب أن ينتبه براون البالغ من العمر 57 عاماً إلى حقيقة أن عاماً وليس أسبوعاً هي المدة التي تطلبها كل هذا الدمار الهائل الذي لحق بمصيره السياسي, فعندما تسلم منصبه العام الماضي كان براون قد أمضى عدة أسابيع بتبشير بلاده بإجراء انتخابات عامة مبكرة ووقتها رجحت استطلاعات الرأي العام التي أجريت حينئذ أن يحقق فوزاً مريحاً لحزب العمال, إضافة إلى ضمان ولاية رابعة له في رئاسة الوزراء.
وكانت أكبر خسارة سياسية لحقت ب براون بعد تسلمه لمهام منصب رئاسة الوزراء, هي سمعته السياسية التي بناها أثناء توليه لمنصب وزارة المالية في عهد بلير , ومن خلال ذلك المنصب استطاع براون أن يسهم مساهمة كبيرة في الازدهار الاقتصادي الذي حققته حكومة بلير, والذي يبدو أنه تحول إلى أزمة اقتصادية خانقة تهدد بفقدان براون لكل ما بناه بيديه.
وكان براون قد قال في ربيع وصيف العام الحالي: إن الاقتصاد البريطاني لايزال بخير, وأن المؤشرات السلبية التي طرأت عليه هي مؤشرات عالمية لم تنج منها دولة واحدة في العالم , وهذا يعود إلى أزمة الاقتصاد الأميركي وأكثر من ذلك ذهب براون للقول: إن الاقتصاد البريطاني هو الأقوى على صعيد القارة الأوروبية , وهذا يمكنه من مقاومة موجة التراجع الاقتصادي العالمي أكثر من غيره , لكن على ما يبدو فإن جميع هذه المؤشرات قد تبخرت فالاقتصاديون البريطانيون يصفون براون بأنه أغرق البلاد في بحر من الديون التي يرتبط أغلبها بفقاعة أسعار القطاع العقاري مصحوبة بعجز الحكومة عن التدخل لوضع حد للكارثة وتقول هذه الانتقادات إن براون ينكر الحقيقة ويراوغ في الاعتراف بها ولاسيما بعد التصريح الذي أدلى به أخيراً باعتزامه تنظيف النظام المالي على حد زعمه, لكن تلك الانتقادات ازدادت مع استقالة الوزير ديفيد كيرنز من منصبه الوزاري احتجاجاً على رئاسة براون للحكومة الحالية بالرغم من إصراره إنكار حقائق الاقتصاد البريطاني , وهذا هو أول وزير يستقيل من حكومة براون في الآونة الأخيرة.
وعلى الصعيد الشعبي العام تشير نتائج استطلاعات الرأي العام إلى تراجع حاد وغير مسبوق لشعبية كل من براون وحزبه العمالي إلى درجة يصفه المحللون السياسيون بأنه تراجع قد لايستطيع أحد وقفه, لنأخذ على ذلك مثلاً نتائج استطلاع الرأي التي أعلنت عنها إحدى أكثر مؤسسات استطلاع الرأي موثوقية في بريطانيا التي أعلن عنها أخيراً فوفقاً لهذه النتائج تقدم المحافظون على منافسيهم في حزب العمال الحاكم بحوالي 52 نقطة مقابل 24 نقطة فقط, وهذه هي المرة الأولى التي تشير فيها استطلاعات الرأي العام إلى تقدم المحافظين على العمال بفارق يتجاوز نسبة ال 50 بالمئة منذ شهر آب من عام 1988 أي بعد فوز رئيسة الوزراء السابقة المحافظة , مارغريت تاتشر بولاية ثالثة في منصبها والأكثر تهديداً لمصير براون السياسي, استطلاع الكتروني مستقل أجراه أنصار حزب العمال وأعلنت نتائجه صحيفة الاندبندنت في موقعها الالكتروني في الآونة الأخيرة, أشار إلى أن أكثر من 54 بالمئة من أنصار الحزب يؤيدون قيادة حزب العمال لشخص آخر غير غوردون براون , لكن براون يعتزم إجراء انتخابات عامة قبل حزيران القادم من 2010 ويتوقع أن يستمر حتى آخر لحظة على أمل أن انتعاشاً اقتصادياً قد يحصل وتزال العوائق من أمام حكومته فهل يحصل هذا الانتعاش الاقتصادي لحكومة براون والأمور آخذه بالتدهور? هذا هو السؤال.