لكن في الوقت نفسه سيرث الرئيس الجديد أصعب المشكلات الدولية ما يحتم عليه إعادة بناء شعور القوة والوطنية بعد مرحلة من الأخطاء الكارثية والاحباط والانحطاط.
ويترتب عليه صياغة سياسات جديدة تتناسب مع التحديات الكبيرة المتوقعة وبناء علاقات عمل بناءة مع الأصدقاء والحلفاء, إضافة إلى انعاش الاقتصاد المترنح وتلطيف الميزانية التي يذهب جلها للنفقات العسكرية والتقليل من الاعتماد على النفط ومواجهة المشكلات الحقيقية مثل تغير المناخ والتغلب على المخاوف المتنامية جراء السلاح النووي وتحسين الدفاع عن البلاد ضد الإرهابيين.
ولكي يتمكن من النجاح في عمله يترتب عليه السيطرة على البيروقراطية الفيدرالية التي تعارض التغيير, وتغيير العلاقة بين الفروع التنفيذية والتشريعية بعد سنوات من المعارك السياسية, وفي جميع المجالات لابد من الحصول على دعم الكونغرس إضافة إلى الدعم الشعبي والقطاع الخاص والأكاديميات والمنظمات غير الحكومية.
ولعل الأكثر خطورة هو دور الولايات المتحدة في العالم الذي يجب إعادة صياغته انطلاقاً من مصالحنا الوطنية وقيمنا وأيضاً انطلاقاً من تقدير صحيح لقدراتنا وأولوياتنا.
لقد بات العالم اليوم يضم عدة لاعبين دوليين ولم تعد مجدية السياسة الخارجية القائمة على الاحتواء.
وثمة حاجة إلى وضع مفهوم للمصالح الداخلية للولايات المتحدة بدل التركيز الذي حصل خلال فترة بوش على الحرب ضد الإرهاب وكان ذلك مفهوماً محدوداً وقاصراً.
ولكي تستعيد الولايات المتحدة دورها القيادي في العالم يجب على الرئيس المقبل معالجة الضعف في مجالين رئيسيين:
الاقتصاد المحلي, وسمعة الولايات المتحدة في العالم والإصلاح الاقتصادي على المدى الطويل يحتاج إلى سياسة وطنية جديدة بشأن الطاقة وتغيير المناخ.
كما أن استعادة الاحترام للقيم الأمريكية مسألة ضرورية ليس من أجل الشهرة والسمعة ولكن بوصف ذلك شرطاً أساسياً من أجل شرعية القيادة والنفوذ, ويجب على الرئيس أن يعالج هذه الأمور بالسرعة القصوى ليتمكن من فرض هيمنته على الأمور الاستراتيجية وخاصة في الدول الخمس التي تشكل قلب الأزمات لا من الولايات المتحدة وهي تركيا والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان, ويجب عليه وقف التعذيب بشكل رسمي وإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يضم الآن 260 سجيناً وذلك بعد أن سمحت إدارة بوش بالتعذيب ولم تحاكم سوى بضعة مسؤولين عن سجن( أبو غريب )ما أساء كثيراً لسمعة الولايات المتحدة
ولعل أبرز الاختلافات بين اوباما وماكين تتصل بالموقف من العراق وإيران لأن السياسة إزاء هذين البلدين ستشكل نموذجاً للسياسة الامريكية المقبلة اكثر من أي شيء آخر. وبات مفهوماً أن انتخاب الرئيس سيعتبر استفتاء حول الموقف من العراق. فماكين يقول إن الولايات المتحدة في العراق من أجل أن تنتصر, ويعتبر ان تقليص عددالقوات في العراق وانخفاض عدد الضحايا العراقيين ما هو إلا دليل على انتصار أميركا في الحرب ويرغب في بقاء القوات لفترة غير محددة تترافق مع خفض القوات لكنه يعتبر الانسحاب هزيمة. أما أوباما فهو يرى ان النصر العسكري كما يراه بوش وماكين غير ممكن. ويعتقد بضرورة الانسحاب التدريجي الذي يجبر السياسيين العراقيين على الاتفاق وأخذ زمام المبادرة من أجل استقرار العراق عوضاً عن ترك القوات الامريكية هناك تتكبد تكاليف عالية وخسائر بالأرواح. كما يدعو إلى إجراء حوار مع الدول المجاورة للعراق للمساعدة في الاستقرار.
ويتفق المرشحان على عدم السماح لإيران امتلاك أسلحة نووية وعلى تكثيف العقوبات اذا لزم الامر لكن, اوباما يرى ضرورة إجراء حوار مع ايران على أي مستوى بشأن السلاح النووي وافغانستان والعراق وحماس وحزب الله, في حين يرفض ماكين الحوار المباشر مع الايرانيين ويقول: إن ايران نووية أسوأ بكثير من الدخول في حرب مع ايران كي لا تصبح دولة نووية وهذا الامر يتعارض مع الدبلوماسية الامريكية التي استطاع من خلالها الرؤساء الأميركيون التوصل الى اتفاقيات مدعومين بالقوة والسلطة دون تهديد الامن الوطني الأميركي.
وبالرغم من ان ماكين يسعى الى تقديم صورة مختلفة عن بوش, لكنه يقدم صورة متعنتة اكثر منه حيال ايران. ومن خلال انتقاده لاتفاق بوش مع كوريا الشمالية ومطالبته بطرد روسيا من دول الثماني الاقتصادية, يتضح أن رؤية ماكين تعتبر الحوار ضعفاً, فضلاً عن شكوكه بالدبلوماسية كسلاح في ترسانة الأمن الوطني الامريكي.
وينبغي أيضاً التركيز على قضايا أخرى طالما تم تجاهلها مثل الصومال وكمبوديا ودارفور وماينمار وبورما والتيبت وزيمبابوي.
يجب على الولايات المتحدة العمل على تقوية علاقاتها مع العالم الإسلامي المعتدل ضد التطرف, إضافة إلى التركيز على حقوق الإنسان التي انتهكتها حكومة بوش وتطوير الانماط الديمقراطية الحكومية بالتركيز على التعدد السياسي ودور القانون وإجراء تحسينات في جميع الميادين بما في ذلك إيجاد فرص عمل وبهذا تستطيع الديمقراطية أن تزدهر.