تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حكاية لون

الرسم بالكلمات
الاثنين 29/9/2008
فاديا عيسى قراجة

اصطفوا دون فوضى

تجمعت كنزات حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء سيطر الشغب والصدامات المتعمدة, تعالت الزفرات, خرج القشع مع السعال.‏

جأر الصوت ثانية.‏

اسمعوا يا نورْ لست مسؤولاً عن سلامتكم, من أين سأجد تصريفاً لهذا الجحيم الذي يسيل من أنوفكم .? قلت اسمعوا الويل لمن يترك عربته لأي سبب كان, وإذا نفق أحد الصيصان سأخصم نصف الأجرة.. مفهوم?.‏

كان يتكلم وتحدق به عشرات العيون الصغيرة متلافية نثرات لعابه المتطاير أكمل كمن ضاق ذرعاً:‏

لاتنسوا مناديلكم غداً لإسكات هذه الأنوف الحمقى, هيا ليستلم كل منكم عربته. تدافعت الأقدام الصغيرة, تضاربت الأكتاف الممزقة, تسابقت القبضات السمراء للإمساك بمقاود معدنية, وجرّت العربات التي تنتفض في داخلها عشرات الصيصان الحمراء والصفراء والخضراء والزرقاء.‏

اخترقت الشمس عظم الساحات المقفرة إلا من هذه الكتل اللحمية المعتقلة في جيوب المتورمين..‏

دفع رامي عربته عبر الأزقة الضيقة, والواسعة حيث الشمس تواطأت مع الأمكنة كلها,, لاحظ أن رقبة الصوص الأصفر تميل على صدره, مدّ يده من كوة العربة الزجاجية, سحب الصوص المريض نقّط الماء في فمه , دلّك صدره ورأسه بيدين ضعيفتين, همس في أذنه بأدعية طفلية , لكن الصوص فرد جناحيه واستسلم لقدره بصوفية فريدة.‏

أحرقت الدموع وجنتي رامي , ماذا سيفعل الآن? من سيقنع المعلم بألا يخصم من أجرته? وهذا الصوص من سمح له أن يموت الآن?!‏

هبّ الهواء, توقفت الرياش الملونة على كنزة رامي الصفراء فأكملت رسم لوحة تتضارب فيها كثافة الغبار مع خطوط العرق والدموع.. جلس في ظل نافذة صغيرة وبيده الصوص المحتضر, اندفع صوت أمه وأبيه كقذيفة فجرت صمت المكان, لم يفهم يوماً عن أي شيء يتجادلان.. دموع أمه حيرة أبيه.. تربص في زاوية الغرفة كعنكبوت كسول.. نقاشات حادة عقيمة حسابات دقيقة حاجيات يستغنى عنها يوماً بعد يوم.‏

تزامت أصوات رفاقه, دوى ارتطام كرتهم بقضبان ذاكرته . كان رفاقه يدعونه لينضم إلى لعبتهم الشيقة.. لكنه يكمل طريقه حيث متجر المعلم فتلاحقه صرخات رفاقه وزعيق الجيران الذين لم يبق في نوافذهم زجاج لم تكسره كرة الأولاد, تسرب أنين الصيصان, انطبعت أنفاسها الملفوظة على زجاج العربة, ذابت ألوانها التي لم تكلف المعلم أكثر من ضربة فرشاة مغموسة في دهان فاسد.. غرق جسد رامي في لزوجة حارة, أطبق صوت المعلم كمصيدة متخمة , تراشقت نثرات لعابه, غطت رامي, والعربة والصيصان والساحات.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية